رثاء وأكثر

رانيا لصوي
3 دقيقة وقت القراءة

يقطع سيف العمر سنواته ويحد حوافه دون أن نلمس حجم خسائرنا، تتجمع، نستذكرها دفعة واحدة، ونتفكر كثير كيف لنا أن نستوعب كيف تغير بنا الزمن، واختلف بنا العمر…

أبو علي، مغني الثورة الفلسطينية واستحق هذا اللقب عن جداره، فأغاني فرقة العاشقين أرخت فترة الثورة الفلسطينية، حفظها ورددها جيل كامل، تجاوز انتماؤه الفصائلي، مكانه الجغرافي، نوع سلاحه، وطريقته في الدفاع عن أرضه، اجتمع الجميع وفي ميادين القتال كانت تلك الأناشيد حاضرة معهم كسلاح من أسلحتهم…

نرثيه اليوم… وأكثر

نقرأ الأحلام ونترقب… كيف صمدت هذه الأغاني والكلمات، شكلت وعي جيل كامل حامل حلم النصر والتحرير، ولكن الحلم تبدل، والأماني صغرت وتحطمت … لم تعد الشواهد كقلعة شقيف للنصر، بل أصبحت حواجز دامية نخسر عليها أحبتنا دون أن ننبس ببنت شفه…

لا أعرف بما فكر حسين منذر قبل وفاته، ماذا كان يرى في سني العمر التي مرت وأفناه حامل فلسطين هوية كفاحية نضالية، لم يكن مقاتلا بالسلاح، ولكن أشعل السلاح بيد مقاتليه حماسا وعنفوانا…

كيف رأى حسين فلسطين قبل وفاته، هل كما غناها…؟

أرقب صفحات الرفيقات والرفاق والأصدقاء، وكل من قاربني العمر، أرى كيف رثى كل منهم أبا علي… اتفق الجميع على أنه جزء من الذاكرة

نحن جيل عاش مأساة تكبر النكبة والنكسة بمراحل، فنحن من رأي اقتراب حلم التحرير، عاش قصصه وتفاصيله، النضال، الكفاح المسلح، عمليات كبيرة رسخت قضية فلسطين على مسمع العالم، رددنا “شعبي سيحيا…” واقتربنا من الحلم

الأغنية الثورية الفلسطينية

منذ البدايات قدر الاحتلال الصهيوني أهمية الأغنية الثورية، أثرها، انتشارها فكان من الطبيعي أن يعتبر أي نصر لفلسطين هو هدفا له، يحاربه، يقيده ويمنعه. حتى أن الأنظمة العربية الرجعية حاربت الشعراء والمغنين الوطنين ومن كانوا في صفوف القضية الفلسطينية الثورية، فكان شريط الكاسيت ثروة يحتاج إخفاؤها إلى مكان سحري لا يعرفه أحد، وعندما نبدأ بالاستماع لمظفر النواب، أبي عرب، العاشقين وغيرهم كأننا نقرأ بيانا سياسيا مكتملا الأركان.

أذكر تسجيلات الساحل في وسط البلد مكان المثقفين والثوار، ندخله خلسة ونخرج منه بزاد الأيام من أشرطة ممنوعة لا يعطيها من غرفته السرية إلا لمن يعرفه كامل المعرفة.

ستبقى الأغنية الثورية تحمل ذات التأثير عندما يعود الفعل ثورياً، الفكر ثورياً…

اختلف وتبدل الحال، صغرت الأحلام، وتبعثرت ربما، فأصبح القابض عليه اليوم كقابض على جمر مشتعل… تموت وتختفي شخصيات شكلت وعينا وبنت معنا الحلم، لا نشعر بسقوطها واحدة واحدة، ولكننا ننظر لشجرة العمر فنراها قد بدأت تخلو أوراقها، وفي مكانٍ ما يشق غصن جديد براعمه الخضراء، معلنا الاستمرار والبقاء فنحن الأبقى …

سيبقى هؤلاء أحياء في الذاكرة، وستبقى فلسطين أقرب لنا مما يمكن أن يتخيل ذاك المحتل…

شارك المقال
  • عضو في حزب الوحدة الشعبية
  • ناشطة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية
  • مهتمه في قضايا المرأة
  • رئيسة رابطة المراة الاردنية سابقا
  • مدونه في الشان الفلسطيني والمراة