حين يحلو الصيام رفقة البندقية

هبه ابو طه
6 دقيقة وقت القراءة

في مخيم جنين، وبين أزقته المقاوِمة، يحلو الصيام رفقة البندقية في رمضان الذي كان ينتظره نضال خازم، أبو الأمين، قبل أن تباغته قوات العدو “الخاصة” وتتسلل إلى المخيم بلباس مدني وتصوب طلقاتها من الخلف نحو رأسه، لتغتاله غدراً ورفيق دربه المقاوم يوسف شريم، عقب عجزها عن قتلهما بالاشتباكات إبان المواجهات التي يشهدها مخيم الصمود بين المعتدين من بني صهيون والمقاومين الذين يستبسلون بقتال جند العدو.

نضال واسمه يكفي ليختزل معنى النضال المستميت لأجل الوطن حتى النصر الذي إن شاء أحدهم أن يمضي نحوه فعليه كما قال أبو الأمين أن “يقبل السلاح، ويسير على درب الجهاد الفرض، والشهادة الحق، حتى يرد اللّه كيد الطغاة”. وإن انتهى الأمر بالمقاوم شهيداً فقد وصل إلى الحياة الأشد طهارة حيث “جنان النعيم في دار الخلد عند الله، وهذا العزاء الوحيد” كما شدد النضال.

كذلك إنه عزاء البلاد الوحيد وهي تُبصر نضال ويوسف ولؤي وعمر؛ في جنان الخلود رفقة آلاف الشهداء، الذين تعاهدوا في الأرض والسماء على الكفاح حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني، وهذا ما أقسم به النضال القائد الميداني في سرايا القدس في لقاء سابق له تجلت فيه قوة البهاء بقوله وفعله وعينيه الساحرتين اللتين تشعان حباً للبلاد وحقداً للعدو الغاشم وهو يعده بالرد على جرائمه “لن ننسى ولن نغفر لكم، بيننا وبينكم جبال جثث، وأنهار حقد ودم، وعويل، وثأر طويل”، الثأر الذي لا يُسّد إلاّ برصاصات المقاومة فالدم والدم تسديده يكون بجثث بني صهيون التي ستتناثر عاجلاً أم آجلاً وتُمحق من البلاد إلى مزابل التاريخ.

فالمقاومة حاضرة على امتداد هذا الوطن العربي وستبقى يداً واحدة كما أشار أبو الأمين وعلى “أتم الجهوزية لمقاومة هذا العدو حتى آخر نفس وآخر قطرة دم”.

وهذا ما أثبتته العقود والأيام وأبو الأمين مؤخراً بقتاله جند المحتل لآخر قطرة دم طاهرة سالت منه يوم أمس المشؤوم في مخيم الصمود حيث شارع أبو بكر تحديداً، وفي وضح النهار الذي أظلم بغروب الشهداء الذين غدر بهم العدو عقب مطاردة طويلة للنضال قوة البهاء ويوسف القسام؛ اللذين رفضا صفقاته وأعوانه من سلطة أبو مازن بتسليم نفسيهما وطاردا بني صهيون في كل مدن هذه البلاد المحتلة، وصليات رصاصاتهما المباركة خير شاهد على خضوع المحتل أمامهما.

هذا المحتل الذي لا يُتقن على مدار التاريخ سوى الإرهاب والغدر، لكنه والله لن يسلم، فبعدما نفذ جريمته باغتيال النضال واليوسف، أمطر المقاومون أذلاء وحدته الخاصة بالرصاص حتى لاذوا بالفرار إلى مركبات العدو المصفحة التي اقتحمت المخيم وبدأت بإطلاق النار بشكل عشوائي على المتواجدين في أزقته ما أسفر عن ارتقاء الشبل الوسيم عمر عوادين، وحيد ذويه ابن الثلاثة عشر ربيعاً الذي يحتفظ بصور أقمار البلاد المحتلة ويقضي أيامه بسرد حكاياتهم، وهو يُقبل رايات فصائل المقاومة داعياً الله أن يلتحق بركب الشرف الجليل حتى اصطفاه شهيداً، كأبو جوى، لؤي زغير، الذي لطالما حلم بلقاء الأبرار في الجنان، ولعن الخونة وتجار القضية دعاة النضال في الفنادق الفارهة.

اقتحام الاحتلال انتهى أمس بدحره من مخيم الصمود صاغراً كما جرت العادة تحت وابل رصاص المقاومة؛ فهذا المخيم صانع نقطة الصراع مع الكيان الذي يعيد التفكير مراراً وتكراراً قبل اقتحامه كما جاء في الوصف الذي استرسل فيه أبو الأمين وهو يبين كيف يلجأ مطارِدو العدو من شمال البلاد للجنوب إلى مخيم لجوء سطّر وما زال ملاحم صمود برجاله الذين يهبون أنفسهم إلى الوطن، ومالهم لجلب أسلحة يقاتلون بها العدو، رغم ضعف امكانياتهم أمام مدرعات وصواريخ وطائرات وجنود العدو المدربين والمستوردين، لكنهم على يقين بأن الله سيغلب المحتل بأسلحتهم الخفيفة وقنابلهم التي صنعتها أياديهم المباركة، وبطيف الشهداء الذين يؤازرونهم من سماء الله.

ولأن الله “يشفي صدور قوم مؤمنين” كما وعد في الذكر الحكيم؛ سيُنتزع ثأر شهداء جنين بالساعات القادمة، فخير الرجال أنذروا المحتل من القسام والجهاد والجبهة إلى عرين الأسود وذئاب قوات الجليل المنفردة التي أخافت العدو بوعدها لأبو النضال حين دعا الذئاب إلى الأخذ بثأر الشهداء، لترد ذئاب الجليل بالقسم بانتزاعه فجراً بقولها “بمن أقسم بالعصر وكان نضال شهيداً، بمن أقسم بالفجر وكان الثأر مخيفاً، بمن أقسم بهذا البلد الأمين وكنت أنت والد أبي الأمين، قسماً بمن أقسم بالليالي العشر والشفع والوتر إننا ذئاب جبارون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”، رد الذئاب تزامن مع الأسود التي ترجلت من عرينها وزأرت عبواتها بجند العدو حتى أوقعت إصابات في صفوفه.

وفي أعقاب مجازر المحتل، يتجهز عربان إلى السقوط في عار جديد بقمة شرم الشيخ التطبيعة مع العدو الصهيوني، ليستأنفوا مؤامراتهم على المقاومة الممتدة في وطننا العربي الذي يستصغر هؤلاء الأذلة، الذين كلما جلسوا مع العدو أصبحنا على مجازر وجرائم في الأرض المحتلة، وكأن مفاوضاتهم تكون على عدد الشهداء الذين سيقتلهم العدو بتنسيق عربي رسمي من الأردن ومصر وسلطة أبو مازن. وإليهم ولكل المطبعين مع الكيان الصهيوني والإمبريالية سراً وعلناً نقول: تبت أياديكم وساءت أيامكم، وقصّر الله أعماركم، وقبّح وجوهكم وخاتمتكم، ألا لعنة اللّه عليكم أينما حللتم.

شارك المقال