عقدت اللجنة المركزية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي المغربي اجتماع الدورة السادسة عشرة في الرباط، والتي أطلقت عليها تسمية دورة الشهيد المهدي بن بركة، تحت شعار “وحدة اليسار مدخل أساسي للنضال من أجل التغيير الديمقراطي”، وذلك في مقر نادي هيئة المحامين بالرباط.
وبعد الوقوف دقيقة صمت ترحمًا على الفقيد المناضل عمر الباز وكل المناضلين، استمعت اللجنة لتقرير الكتابة الوطنية الذي استحضر الذكرى السادسة والخمسين لاختطاف واغتيال الشهيد المهدي بن بركة، حيث جرى التأكيد على “استمرار الحزب في المطالبة بالكشف عن الحقائق المتعلقة بتلك الجريمة الشنعاء التي لن يطالها التقادم، برفع الدولة الفرنسية للسرية عن التقارير المرتبطة بهذا الاختفاء القسري المدبر، وتحمّل الدولة لمسؤوليتها في هذه الجريمة”.
وعلى المستوى الدولي، ذكّرت اللجنة المركزية بتداعيات الأزمة الكبرى للنيوليبرالية والأحادية القطبية التي تمر بمرحلة احتضار بطيء، أبرز مظاهره ارتفاع حدة الصراع والتنافس بين الدول الصاعدة وخاصة الصين، والولايات المتحدة الأمريكية على الأسواق والتكنولوجيا الحيوية والمواقع الاستراتيجية والثروات المعدنية والطاقية، ورغم التراجع الملحوظ لهيمنة الامبريالية الأمريكية على العالم، لا زالت تمثل أول قوة عظمى لها أكبر تأثير على المؤسسات والقرارات الدولية، وبالتالي فإن نضال القوى التقدمية ضد الامبريالية سيستمر حتى اندحار هذه الأخيرة.
وعلى المستوى الإقليمي، قالت اللجنة إنّ “المنطقة العربية إضافة للمواجهة المستمرة مع الكيان الصهيوني العنصري ومخاطر تغلغل التطبيع في النسيج المجتمعي والذي انغمست فيه الدولة بشكل علني اقتصاديًا وثقافيًا وتربويًا، أصبحت مجالاً للتنافس الحاد بين القوى العالمية، في حين تمر بلدان المنطقة المغاربية بأسوأ مراحلها، حيث تعمقت معاناة شعوبها من سيطرة أنظمة فاسدة ومستبدة وتابعة، لا تتورع عن الانخراط في تحالفات إقليمية ودولية تحد من سيادة البلدان المعنية، وتزج بها في مستنقع تهديدات الحروب الأهلية والبينية وتعطل أي أمل في الديمقراطية والتنمية والتقدم والتكامل، كان آخرها انقلاب العسكر في السودان على التوافقات الديمقراطية لانتفاضة السودانيين والتي تجددت جذوتها، وهو نفس التفتيت الكولونيالي الذي يتهدد ليبيا ولبنان”، مُؤكدةً أنّ “هذه الهزات العميقة تقتضي وحدة صف القوى الديمقراطية والتقدمية وتكتلها في المنطقة لمواجهة عملاء الفساد والاستبداد والاستعمار الجديد والصهيونية، بالاستمرار في دعم القضية الفلسطينية كبوصلة للمقاومة والتحرير”.
ولفتت اللجنة المركزية إلى “المخاطر الكبرى للتصعيد الأخير بين المغرب والجزائر”، مُؤكدةً على خطورة “تعميق أزمة الثقة وفتح الباب لسباق التسلح الذي يلتهم حصة كبرى من ثروة البلدين، وينذر باندلاع حرب ستكون أكبر كارثة على المنطقة”، مُناشدةً “القوى الديمقراطية والتقدمية في البلدين المسارعة لفتح حوار أخوي شامل للحفاظ على أولوية الأمن والاستقرار وحسن الجوار”.
كما أكَّدت اللجنة “عودة الفساد الانتخابي الموجَّه من طرف دواليب الدولة بشكلٍ مبتذل، بشراء لوبياتها للذمم واستغلال نفوذ الأعيان وفقر المغاربة، بالإضافة لإقصاء أكثر من ستة ملايين من مغاربة المهجر من حقهم في المشاركة السياسية وتقزيم أدوارهم فقط في تحويلات العملة الصعبة بدون تحولهم لقوة تُسْمِعُ صواتها ومطالبها انتخابيًا، وهو ما يؤكّد الهندسة القبلية للخريطة السياسية بتزييف الإرادة الشعبية، وإصرار الطبقة الحاكمة على إضفاء شرعية ديمقراطية مزعومة على واقع الفساد والاستبداد، وقد تجلى ذلك في إلغاء دور الأحزاب سياسيًا وبرنامجيًا وحصره في تزكية ديمقراطية الواجهة وتأثيت المشهد البرلماني، ما يبرز من جديد ضرورة التغيير الديمقراطي الحقيقي المتمثل في دستور ديمقراطي من الشعب وإلى الشعب، يضمن فصلاً فعلًيا للسلط واستقلال القضاء، وتداولاً حقيقيًا على السلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة تشرف عليها هيأة وطنية مستقلة، وقبل ذلك إيقاف التراجعات الحقوقية وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والصحفيين والمدونين، وبضرورة انفراج سياسي عام يضمن حقوق وحريات المغاربة”.
واعتبرت اللجنة أنّ “مشروع قانون المالية المعروض على البرلمان يندرج في إطار نفس الاختيارات اللاشعبية واللاديمقراطية المتعارضة مع انتظارات وتطلعات الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي، بدليل الإسراع في رفع وتحرير أسعار المواد الأساسية واستهداف القدرة الشرائية لملايين الأسر المغربية، وتفقيرها بموجات غلاء غير مسبوقة، أمام تكريس المديونية كخيار تبعي للدوائر المالية العالمية، حيث فاقت 90 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وكذا بتحرير غير محسوب للعملة، بدل سن قوانين زجرية لمحاربة ناهبي المال العام ومهربي العملة وثروات المغاربة، وقد كان اللجوء إلى فرض إجبارية جواز التلقيح محاولة يائسة للتغطية على هذه القرارات الخطيرة التي تستهدف قوت المغاربة، ولعل اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية يترجم في الواقع مستوى تذمر وغضب الجماهير الشعبية من كل السياسات العمومية، واللذَين لم تجد الدولة من حل لهما إلا بتكميم الأفواه والقمع والاعتقال، مما يتطلب تقوية الجبهة الاجتماعية وتكثيف نضالاتها”.
وفي ختام اجتماعها، جدّدت اللجنة المركزية التأكيد على “الضرورة الموضوعية والتاريخية لوحدة اليسار الديمقراطي من أجل معالجة التناقض الأساسي في الوضع الوطني الراهن، والمتجسد في الخلل الفادح في ميزان القوى لصالح القوى الرجعية المعادية لأي تحول ديمقراطي يمس سلطتها ومصالحها الطبقية، وفي هذا الإطار تظل مكونات فيدرالية اليسار ملزمة باحترام جدولة برنامجها التحضيري ووعودها وتعاقداتها لتوفير وإنضاج شروط اندماج ناجح كفيل بفتح أفق واعد لاستعادة اليسار المغربي لمكانته ودوره في المغرب، لبناء دولة ديمقراطية ومجتمع متقدم اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا”.