حرية المرأة الاردنية ونيل حقوقها سراج تقدمنا

د.نهاية برقاوي
6 دقيقة وقت القراءة
حرية المرأة الاردنية

لا أدري ماذا فعلته بي هذا العودة من العقبة إلى عمان وأنا أرحل عبر الحقب التاريخية والجيولوجية، فهذي الصخور التي تتبدى عند رأس النقب معلنة فوعة التشكل الأولى جلبت إلى ذاكرتي ألف سؤال وسؤال، وهذا الفن الحضاري الصاعد طبقة عن طبقة، من حبق الجنوب إلى شقائق الشمال ظل يلح بصور واخزة تستحضر نشميات مؤاب وتلقي السلام على جرار البتراء وتشكو لتايكي وربة عمون أن النساء في وطن الحضارة والأنوثة أصابهن حيف ذوي القربى ومسهن الضر، ولست أدري كيف ونحن نحمل كل هذا الإرث من رسالة الحكمة والعمارة والضوء.

تسير بي سيارتي (لن أعترف بنوعها وسنة ميلادها حفاظا على مشاعركم، فهي تشبه عربة صغيره يجرها النشيد) على رسلها وكأنها تفكر معي وعلي، لماذا تنتقص حقوق البدويات اللواتي يربين العشب والماء على أصابعهن ويعلمن القطيع سمفونية الجبل ورغبة الحياة ويشددن حبال الخيمة إلى أكتافهن العالية، لماذا ينادي في المحل بعضهم: أنهن أقل حظًا في الحقوق وكم يؤلمني وأنا الطبيبة وأعرف تمامًا كم مخاض يعبرن لتصل اسماؤكم إلى الضفاف.

لماذا تزدحم الطرقات بزغاريد النبطيات وهن يحملن المطر إلى عطش المدينة ويقطعن الصخر بوصايا الإرادة وينجبن حارثًا وعبادة ومدنًا باقيات يهزأن بالوقت والريح.

لماذا تكتب المؤابيات نشيد إنشادهن لفرسان الجبل ولعاملات الحقل ولأسراب النجم في هيجنة تصفع يوشع وعمري وتعلن القدس سلمًا للسماء تلجه مريم وابنها المبشر بدينونة العدل وملكوت الله.

لماذا تلد ربة عمون بناتها المدن وحورياتها الحارسات يحمين خطى التجار والعشاق إلى رأس العين ويفتحن الدروب لخلفاء الله الذين يرسمون الفجر حجارة ومدرجات وطيوبًا وقوافل.

لماذا وألف لماذا ولا تجدي كل أدوات الاستفهام؟

وطني الموشى بألق الحضارة وخيول الفاتحين الذاهبين شمالًا، وطني الذي غسل المسيح من خطايا الأرض في عذرية نهر الأردن أجبني كيف يؤكد الدستور على مساواة الأردنيين والأردنيات في كل الحقوق والواجبات ويصر البعض ممارسة وتطبيقًا على الحد من الإطلاق وسجن المساواة بكلمة غابت هي (الجنس) ليحرم النساء من حق كتبه الله في لوحه المحفوظ وحفظه الدستور ضمن نصوصه معلمًا وموثقًا وهاديًا

تنص المادة رقم (6) من الدستور الأردني على أن “الأردنيون أمام القانون سواءـ لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق، أو اللغة، أو الدين”

لم يذكر الدستور الجنس لأنه مضمن في السياق وأي محاولة للإصرار على غيابه ما هي إلا اختراق للدستور وإطاعة لرغبات من التخلف والرجعية لا تليق بنا ونحن الحاملين كل رسالة والمكملين لكل خير والمدافعين عن كل تجلٍ أخلاقي أصحاب النخوة والفزعة وإغاثة الملهوف.

كل محاولات الاعتماد على غياب كلمة الجنس للانتقاص من حقوق المرأة تحت حجج واهية من الضغط السياسي أو غيره ما هو إلا تمييز عنصري ضد المرأة يجب وقفه. ومن هنا حيث حمل النص معنى ذكوريًا تتسرب كل أشكال التمييز بما فيها العقوبات المخففة التي تطال قاتل الأنثى ومرتكب الجريمة تحت أعذار واهية، ومما أسمعه من النساء كطبيبة نسائية أعلم أي موبقات ترتكب بحق النساء ليس فقط من سوء استخدام النص القانوني ولكن أحيانًا كثيرة من سوء الادعاء، فخلاف بين رجل وأخته على الميراث قد يدفعه لقتلها والاحتماء بمنفذ قانون العقوبة المخففة.

وتتوالى حالات الانتقاص من حقوق المرأة والتي تتركز في قانون الأحوال الشخصية والحقوق المدنية وقانون العمل، وإن احتوت القوانين على الجوانب الأساسية التي تضمن حقوقها إلا أن التطبيق يخضع في أحيان كثيرة إلى منافذ مشرعة وإلى ثقافة سائدة حول نقصان حقوق المرأة مغلفة بادعاءات مستند للدين أو التراث.

وطني كلما توغلت فيك اقترب منك أكثر، وما زالت المدن والقرى والجبال والصحاري والصخور تتغنى براياتك الحسنى التي وسعت كل أمنية.

كثر المادحون لحقوق المرأة فيك وأخطرهم بالنسبة لي كل من ينظر لقضايا المرأة كسياق مستقل لا يرتبط بحقوق المجتمع وتقدمه وكأن الوطن مجموعات من الأفراد مقسمة جنسيًا أو عمريًا وتتصارع حقوقها بناء على هذا البناء الفوقي المفترض ناسين أو متناسين أو كلا الشرين معًا أن الصراع الأساس يتعلق بالدور الاقتصادي للفرد والذي ينتج عنه نظمًا طبقية ومعرفية وأخلاقية تحاول تأبيد مصالحها على حساب العاملين المنتجين وبما يضمن وظيفته المنتجة وقدرة بيولوجية أعلى لتطويل سنوات الاضطهاد، فالمطالبة بتوحيد جهود المرأة للدفاع عن حقوقها والتميز ضدها أمر جيد وملح ومطلوب، ولكن المطلوب توحيد كل الفئات الاجتماعية لنيل حقوقها بحرية وكرامة وتضامنهم جميعًا من أجل الدفاع والنضال باتجاه حقوق المرأة التي تشكل درعًا واقيًا لإنسانيتنا ودورنا الحضاري.

وطني المحنى بالأمل

إن الأساس في نهضة المجتمع يكمن في المرأة، وعلم النفس يصر على قولته أن السنين الأولى هي صانعة الشخصية للبنت وللولد، للشاب وللشابة، وفي هذه المرحلة يقضي الأبناء جل أوقاتهم مع المرأة الأم ومن ثم المعلمة، فلذا أذكركم بني وطني أن حقوق نسائكم هي مستقبلكم الفردي والجماعي والوطني، وكل ما تلاحظونه من نجاح أو فشل، من تقدم ومن عبقرية، هو ما أودعه المجتمع في فكر نسائه وفي كرامتهن، ومن هنا فتمكين حقوق المرأة لا يعني أبدًا خسارات شخصية وإنما ربح وفوز كبير، ومد المرأة بالحرية والخبرات مقدمة لتحريركم وازدهاركم.

وطني:

الطريق تطول وتقصر، وها هي عمان تفرد ذراعيها، وها هي تايكي تغني لعودتنا لمستقبلنا وقد نبت القمح في أيادينا ودنت البيادر من كل روح، والسنابل تعد بمواسم كثر وفي الرحلة القادمة سنغني معا لوطن يطحن الصخر وينتصر ببنيه وبناته، بشبابه وشاباته مغسولين من أنماط البؤس والعفن، معطرين بصهيلهم ورحيقهم ونجومهم، بعماله وفلاحيه وبرؤيته الثورية التي تجمع كل الباحثين عن معنى.

شارك المقال
د. نهاية برقاوي ، طبيبة ممارسة للأمراض النسائية والتوليد , وعضو في حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني ، مسؤولة رابطة المرأة الأردنية "رما"