جاءت تعرفة الكهرباء الجديدة ضمن السياسات الجبائية السائدة في البلاد، وهي ضمن الوجبة الثانية من الحزم الاقتصادية الانكماشية التي من المتوقع ان تشمل رفع أسعار المياه وبعض الخدمات الأخرى، حيث شملت برامج الصندوق الغاء الدعم على الكهرباء والمياه في عام 2011.
وتأتي الوجبة الثانية ضمن السياسات الرسمية التي بدأت بتحرير الأسعار وأسواق المال، وإطلاق آليات السوق المنفلتة، وخفض الإنفاق الحكومي على الخدمات، وتراجع دور الدولة في الاقتصاد، وزيادة اعتماد الخزينة على الإيرادات الضريبية غير المباشرة، التي اتسمت بالالتزام التام في املاءات صندوق النقد الدولي التي مست مصالح الشعب الأردني.
استخدمت الجهات الرسمية المفردات المضللة لتمرير سياساتها برفع الأسعار؛ اذ أطلقت على التعرفة الجديدة “الدعم لمستحقيه” ودعت المواطنين إلى التسجيل على الموقع الإلكتروني المخصص للاستفادة من التعرفة الكهربائية المدعومة!!!
لقد تم خفض شرائح تعرفة الكهرباء من سبعة شرائح إلى ثلاث، وتقسيم المشتركين الى قسمين (مدعومة غير مدعومة) وفق التفاصيل لتالية:
1- المجموعة الأولى التي أطلق عليها مدعومة.
– من (1-300) كيلو واط ساعة (50) فلسا لكل كيلو واط ساعة شهريا.
– من (301-600) كيلو واط ساعة (100) فلسا لكل كيلو واط ساعة شهريا.
– أكثر من (600) كيلو واط ساعة (200) فلسا لكل كيلو واط ساعة شهريا.
2- المجموعة الثانية غير المدعومة.
– من (1- 1000) كيلو واط ساعة (120) فلسا لكل كيلو واط ساعة شهريا.
– أكثر (1000) كيلو واط ساعة (150) فلسا لكل كيلو واط ساعة شهريا.
هناك ارتفاع ملموس بالتعرفة الجديدة، رغم ان التعرفة الحالية تعتبر مرتفعة جدا، بسبب الاستطاعة الفائضة من الطاقة، وبدلا من تخفيضها تم زيادتها، دون الاخذ بعين الاعتبار الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد.
ووفقا لما أعلنته هيئة تنظيم قطاع الطاقة أن التعرفة الكهربائية خفضت على القطاع الزراعي بنسبة 8%، والتجاري 6.5%، والصناعي 10.5%، وقد جاء تخفيض تعرفة الكهرباء على القطاعات الاقتصادية على حساب الفواتير المنزلية، بدلا من إعادة هيكلة قطاع الطاقة وتوفير كلفتها.
فمن المفارقات الغريبة ان شركات الكهرباء الأردنية (المنتجة والموزعة) تحقق أرباحا، بينما الشركة الوطنية للكهرباء تعاني من خسائر وتراكم الديون التي بلغت نحو 5 مليار دينار وفق المعلومات الرسمية، حيث تتحمل فواتير القطاعات الاقتصادية والمساكن عبئها.
ومن المفيد التوضيح ان ما يسمى بدعم القطاعات الاقتصادية لن يسهم بتحفيز الاقتصاد، بسبب نقل العبء على شريحة واسعة من المواطنين مما يضعف قدرتهم الشرائية.
لقد بات من الضروري إجراء مراجعة جاده للاتفاقيات الموقعة مع الشركات المنتجة للكهرباء، واتخاذ قرارات حاسمة تسهم بتخفيض كلفة الكهرباء؛ إذ يتوقف تطوير الاقتصاد وتخفيض العبء على المواطنين بخفض تكلفة الطاقة. وبدلا من اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير الطاقة بأسعار منافسة، تم التوقيع على اتفاقية الغاز مع العدو الصهيوني المرفوضة سياسيا من حيث المبدأ وتشكل عبئا اقتصاديا، وتبعها اتفاقية تبادل الطاقة بالمياه.
ان زيادة التوسع في مشاريع توليد الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح)، والتنقيب عن النفط والغاز، وتطوير استخدام مصادر الطاقة المحلية التقليدية، “الصخر الزيتي والتنقيب عن النفط والغاز” والمتجددة من الطاقة الشمسية والرياح، فإن سوء إدارة هذا القطاع باتت تشكل أحد المعوقات الأساسية للتطور الاقتصادي وارتفاع العبء على المواطنين، بسبب الكلف المرتفعة للطاقة، فقد استُنزف الوقت والمال بسبب انقطاع الغاز المصري،(كان يفترض انشاء رصيف استقبال الغاز المسال مبكرا لتجنب ارتفاع الدين) وما يسمى مشروع الطاقة النووية، والتخبط في القرارات المتعلقة بالطاقة الشمسية، ومنها قرار مجلس الوزراء بتاريخ 13 كانون الثاني 2019 بإيقاف العمل لمدة ستة أشهر في جميع مشاريع الطاقة، ومنها مشاريع الطاقة المتجددة التي تزيد سعتها عن 1 ميجاواط. بداعي أن وزارة الطاقة تعمل على إعداد استراتيجية جديدة للطاقة في ضوء الاستطاعة الفائضة من الطاقة، ورغم انتهاء فترة الأشهر الستة استمر قرار الإيقاف.
أما كلف إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة فإن الأرقام الأخيرة التي صدرت في التقرير السنوي لشركة الكهرباء الوطنية لسنة 2018 تشير إلى أن معدل سعر شراء الطاقة المتجددة بلغ 70.25 فلسا لكل كيلوواط/ ساعة لطاقة الرياح و80.14 فلسا لكل كيلو واط/ ساعة للطاقة الشمسية مقارنةً بـ 81.8 فلسا لكل كيلو واط ساعة من الكهرباء المنتجة من الوقود والغاز. واضح أن أسعار الطاقة المتجددة مرتفعة جدا مقارنة مع الأسعار العالمية، إذ يبلغ سعر الشراء حاليا 14 فلسا لكل كيلوواط/ ساعة.
مما يتطلب إعادة هيكلة سريعة لهذا القطاع، إذ يتوقف تطوير القطاع الصناعي على تخفيض تكلفة الطاقة، وتخفيض العبء على المواطنين. ان ارتفاع تكلفة الكهرباء ناجم عن اختلالات خطيرة في قطاع الطاقة.
وبدلا من التقدم بمشروع وطني شامل لمعالجة مشكلة الطاقة والمياه، عقدت الصفقات مع العدو الصهيوني لشراء الغاز الفلسطيني المسروق من قبل قوات الاحتلال، وتم التوقيع على اتفاقية الماء مقابل الطاقة، والهدف من هذه الصفقات فرض سياسة التطبيع على الشعب الأردني، وربط الاقتصاد الأردني بالعدو الصهيوني بهدف التحكم بمفاصل الاقتصاد الأردني، إضافة إلى دمج الاقتصاد الصهيوني في المنطقة.
وبصرف النظر عن المبررات التي تسوقها السلطات الرسمية لتغطية قراراتها، فإن هذه القرارات سياسية بامتياز، ينطوي عليها مخاطر حقيقية، من الخضوع للابتزاز الصهيوني، والارتهان السياسي، وهي محفوفة بالمخاطر، أقلها الرضوخ للشروط الصهيونية بالسير بالمشروع الصهيوني المبني على الحل الاقتصادي، متجاهلا السياسات العدوانية التوسعية، والحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.