بين الخلاص الفردي وبناء المجتمع العادل

فاروق طباع
3 دقيقة وقت القراءة

بينما تتصفح منصات وسائل التواصل الاجتماعي، تلحظ المؤثرين وهم يقولون لك “أنت تستطيع”، “أنت تقدر”, وغيرها من العبارات الموجهة لك.. لك أنت، أنت…

هكذا تتملك الإنسان المشاعر بأنه فرد بذاته منشغل بهمومه الشخصية، بمعزل عن مجتمعه وهمومه المجتمعية، وهذا كله يؤدي إلى شعور الانسان بالرغبة في الانسحاب من الجماعة والاتجاه إلى الخلاص الفردي.

إن الخلاص الفردي هو مفهوم يشير إلى تطور سلوك الفرد بعيدا عن الأخرين ومستقلا عن مجتمعه، وهو شعور ذاتي يميل إلى ضرورة تحقيق متطلبات الفرد الشخصية والتي هي بالاساس حاجة استهلاكية بحتة، ويتعزز هذا الاتجاه عند الفرد في عصرنا هذا نظرا لسياسة الشركات متعددة الجنسيات، وعصر ما بعد الحداثة والذي أصبحت فيه هموم الأفراد والمجتمعات مواكبة لحركة السوق، والتطور الاستهلاكي، وهذا يعني بأن دور مؤثري “السوشال ميديا”، ووهم الخلاص الفردي، ما هو إلا نتيجة وليس السبب.

وهم الخلاص الفردي جعل الانسان يشعر بالإنعزالية التي أدت إلى انغماس الفرد في ذاته وجعله مهوسا بنفسه وباحتياجاته الشخصية دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح وهموم الاخرين، وبالتالي تصبح العلاقات الاجتماعية والعائلية عبء على الفرد.

نلاحظ أن الإنغماس في الهموم الشخصية وفقدان الدافعية العائلية والاجتماعية، أدت إلى شعور الإنسان بعدم المسؤولية تجاه محيطة ومن حوله، وهذا سبب رئيسي في بروز ظاهرة التفكك الأسري، وارتفاع نسب الطلاق، الأمر الذي يؤثر على المجتمعات بشكل سلبي من واقع أن الأسرة هي نواة المجتمع .

بعد أن أغفل الفرد الجانب الاجتماعي تولد لديه شعور بعدم الانتماء للجماعة، وهذا بدوره أدى إلى فقدان المجتمع لمتطلباته القيمية الضرورية مثل التكافل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية، وتراجعت إلى مواقع ثانوية، وهذا ما عزز ويعزز الفروقات الطبقية، ويضعف من شعور الانتماء والتعاضد لدى الأفراد تجاه طبقاتهم الاجتماعية نفسها، بحيث بتنا نسمع شبان الطبقات المفقرة يقولون “الهجرة او الموت”، بحثا للخروج من ظلمة مجتمعاتهم، إلى مجتمع يفترضون بأنه أفضل.

والنظرة الفردية للأمور جعلت الفرد يرى أن أي عمل جماعي منظم يعود ناتجه على المجتمع نفسه، وليس على مجموع الأفراد، مما أدى إلى عدم التفاعل مع العمل الجماعي من الأساس من منطلق عدم الحصول على المنفعة الشخصية الفورية، وهذا بدوره يؤدي إلى الإنكفاء عن محاربة الظلم والاستغلال.

نستنتج مما سبق أن وهم الخلاص الفردي هو نتاج منظومة اقتصادية وسلاسل من الاستغلال الاقتصادي والسياسي، وهيمنة طبقات على أخرى، ودول على أخرى.. إنها منظومة عالمية قائمة على الاستهلاك المفرط.

وجب التأكيد هنا بأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه واستهلاكي أيضا، وهذا يظهر أهمية التوازن بين الأمرين وكبح جماح النزعة الاستهلاكية، وعدم الإفراط في الملذات كظاهرة سائدة في أحوال عصرنا المحكوم إلى منظومة رأسمالية قائمة على زيادة الأرباح وتشجيع الفرد على الاستهلاك المنفلت.

ومن هنا، فإن الطموحات الشخصية ضرورية، ومن واجب الدول تطوير سوية الفرد والارتقاء بها على كافة الصعد، وهذا ما يؤدي الى تطور المجتمعات بالأساس، لأن المجتمع مكون من أفراد، وعلى الفرد أن يعمل على انتزاع هذا المطلب لأنه حق وليس منة من أحد.

شارك المقال