عُقد في مقر حزب الوحدة الشعبية لقاءً وطنياً بدعوة من ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية تحت شعار “التصدي لسياسات الإفقار ودعماً للمطالب الشعبية” شاركت فيه قوى سياسية ونقابية وشعبية وقدم الدكتور سعيد ذياب الناطق الرسمي باسم الائتلاف كلمة عكس فيها موقف أحزاب الائتلاف وجاء فيها:
أيها الحضور الكريم أسعد الله مساءكم
أرحب بكم باسم ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية للمشاركة في هذا اللقاء الوطني تحت شعار نعم للتصدي لسياسيات الإفقار ودعمًا للمطالب الشعبية، أرحب كذلك بكل ممثلي الأحزاب الأردنية والفعاليات الوطنية.
بدايةً نترحم على شهداء الأمن العام ونؤكد إدانتنا لهذا الفعل الإجرامي، وندعو لهم بالمغفرة والرحمة.
أيها الحضور الكريم
منذ تسعينات القرن الماضي شهد الأردن تحولات عميقة في بنية النظام، وفي بنية المجتمع كنتاج للنهج الليبرالي الذي سار عليه النظام، ما يهمنا هو التحولات التي طرأت على النظام، هذه التحولات مست طبيعة الحلف الطبقي الحاكم الذي شهد صعوداً وهبوطًا لبعض الشرائح الطبقية الأمر الذي قاد في المحصلة النهائية إلى أننا أمام أقلية من أصحاب النفوذ المالي والعائلي والبيروقراطي الأمني الذين يتحكمون في البلاد، هذه الأقلية الحاكمة اندفعت في منهج سياسي واقتصادي قاد إلى إفقار البلاد والعباد ووضعها في حالة عوز وحرمان شديدين.
ارتفعت البطالة إلى نسب غير مسبوقة وفقر طال نصم المجتمع الأردني وسياسية خارجية أدت إلى تعميق تبعية البلاد والتفريط بسيادتها الوطنية من خلال مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات مثل اتفاقية وادي عربة واتفاقية الغاز واتفاقية المياه والطاقة وأخيراً المعاهدة الأمريكية.
إن مجمل هذه السياسة لهذه الأقلية الحاكمة التي لم يكن ممكناً السير بهذه السياسات إلا من خلال تشديد القبضة الأمنية في البلاد، لقد استوجبت هذه السياسة مع تعاظم دور الدولة العميقة في البلاد وما استتبعه هذا التعاظم في الدولة العميقة إلى نمو مصالح اقتصادية وسياسية لتلك الشريحة، هذا النمو لدور الدولة العميقة وهذا النمو لمصالحها هو الذي يفسر حالة الاستعصاء للإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد.
أيها الأخوة
إن الإضراب الذي بدأه سائقو الشاحنات قبل أسبوعين وفي مدينة معان والذي اتسع ليشمل وسائل النقل الأخرى وحافلات الركاب وليشمل معظم مدن المملكة كاحتجاج على رفع أسعار المحروقات المتوالية لأكثر من ثمان مرات في العام، الأمر الذي وضع الجميع.. جميع مكونات المجتمع في حالة صعبة أكثر من أن يحتملها المواطن.
كان الاعتصام بمثابة صرخة احتجاج وألم ضد هذه السياسات التي لا ترى أمامها من حلول إلا فرض المزيد من الضرائب ووسيلتها لتمرير ذلك النهج إلا أسلوب القمع والاستبداد وعدم الاستعداد لقبول أي رأي مخالف لرأي تلك الأقلية الحاكمة.
أفرز ذلك الإضراب ثلاثة ظواهر على درجة كبيرة من الأهمية من المهم أن نقرأها جيداً:
أولا: أن هناك حالة تضامن شعبي واسع على امتداد جغرافيا الأردن رغم أن السلطة مارست كل الوسائل والضغوط لعرقلة حالة التضامن وحالة الإضراب المتسعة وهذا يدلل على أن شعارات المضربين كانت تلامس في عمقها مطالب الغالبية الساحقة من المواطنين وليس كما تدعي وسائل الإعلام الرسمية بأن جهات ذات أجندات خارجية إلى ما هنالك من المعزوفة المشروخة التي تعودنا عليها.
ثانيا: لقد اظهر الإضراب أن العشيرة أو القبيلة لم تعد موالية بأكملها للحكم، بل من خلال رشوة بعض رموزها، بل أن الحالة الوطنية العامة والظروف الاقتصادية أفرزت شريحة واسعة من العشائر وهي التي قادت عملية الإضراب بفعل تناقض مصالحها مع مصالح الرموز التي طالما لعبت دور التشريع لسياسات الحكم، ولقد أكدت الأحداث ودور رموز بعض العشائر في إفشال الإضراب أن هذه الرموز باتت معزولة وأن الأغلبية الساحقة من هذه العشائر انحازت إلى واقعها الطبقي الجديد كشرائح إما الفقيرة جداً أو المتوسطة.
ثالثا: الخطاب السياسي وهنا علينا أن ننتبه جيداً الذي تردد في أكثر من محافظة والذي سعى بشكل عميق إلى ربط موضوع السيادة الوطنية الأردنية من خلال التأكيد على رفض التطبيع واعتبار الكيان الصهيوني هو التهديد الحقيقي للأردن وليس أي مسألة أخرى، وبالتالي هذه الأصوات التي ارتفعت في الاعتصامات كانت تعكس عمق التطور في الوعي الوطني الأردني وطبيعة التعديلات الحقيقية التي تهدد الأردن رغم محاولات الحكم زرع الفتن في مكونات المجتمع والشعب الواحد.
أيها الحضور الكريم
بات شعار تغيير النهج والإتيان بحكومة قادرة على تحقيق تلك المهمة مسألة تتسم بالراهنية وبالضرورة الكاملة، نريد حكومة تعيد الاعتبار للدستور بعد أن تم تفريغه من مضمونه، حكومة تجعل من القانون هو الأساس الناظم لها ولعلاقتها مع الشعب، حكومة تحترم حريات وحقوق المواطنين، حكومة حقيقة تضع الأسس لاقتصاد منتج حتى نستطيع أن نبدد أكذوبة التي يرددونها بأن الأردن بلد محدود الموارد، حكومة تسعى لتوفير مقدمات الاعتماد على الذات لنتحرر من الارتهان للأجنبي، حكومة تكافح الفساد الذي تحول إلى مؤسسة لها نفوذها وأذرعها في الدولة، حكومة تدافع عن حرية وكرامة الأفراد.
في هذه اللحظة وفي هذا الملتقى وختاماً لهذه الكلمة فإنني باسمكم نؤكد على ضرورة إطلاق سراح المعتقلين وعلى رأسهم الشيخ ماجد الشراري وكل المعتقلين الذين استهدفهم الحكم في هذه الحركة الجماهيرية.
نتمنى للقائنا هذا النجاح
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د.سعيد ذياب
أمين عام حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني
والناطق باسم ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية
وجرى حواراً موسعاً شارك فيه عدداً كبيراً من الحضور يمثلون أحزاباً سياسية ونقابات مهنية وشخصيات وطنية أكدوا جميعاً على ضرورة تفعيل دور القوى المنظمة من أحزاب ونقابات ومؤسسات وهيئات وطنية وتوحيد الجهود الشعبية بالدعوة الى تشكيل إطار وطني يتبنى برنامج إنقاذ وطني.
وصدر عن اللقاء مذكرة للرأي العام هذا نصها:
مذكرة للرأي العام
صادرة عن اللقاء الوطني للأحزاب والقوى الوطنية والشعبية
بات مطلب التغيير الوطني الديمقراطي حاجة ماسة أمام ما وصلت له البلاد من أزمة عميقة على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن إمعان التحالف الطبقي الحاكم في تطبيق نهج سمته الأساس التبعية السياسية والاقتصادية للمراكز الرأسمالية العالمية، حيث شهدت البلاد منذ ثلاثة عقود جملة من التحولات السياسية، طالت المجتمع وبنية النظام بفعل النهج الليبرالي الاقتصادي المتمثل بالخصخصة واقتصاد السوق، ورفع يد الدولة عن الرعاية الاجتماعية، وتركيز السلطة في أيدي أصحاب النفوذ المالي والعائلي والبيروقراط الأمني..
هذا النهج افضى على الصعيد الاقتصادي، الى تعميق الاختلالات الاقتصادية والمالية- النقدية، وارتفاع حاد وغير مسبوق في المديونية، وعجز متوالي في الموازنة العامة للدولة، واتساع مساحتي الفقر والبطالة، واستشراء الفساد، والارتفاع الحاد في أسعار السلع والخدمات الأساسية، وعدم قدرة الغالبية الساحقة من الأسر الأردنية عن تلبية احتياجاتها الأساسية لتوفير حياة كريمة.
وأفضى على الصعيد السياسي الى حصر السلطة الفعلية في دائرة ضيقة من الأشخاص والأجهزة، على رأسها الأجهزة الأمنية التي ازداد تدخلها في عمل أجهزة الدولة ومؤسساتها، بما فيها السلطة التشريعية، كما في مختلف جوانب حياة الشعب والبلاد، وحكومة تفتقد للولاية العامة كانت مهمتها الرئيسية تطويع القوانين السياسية وتعديلها لصالح السلطة الحاكمة، ولخدمة توجهاتها، وضرب وإقصاء البنى المنظمة من أحزاب ونقابات وهيئات ومؤسسات وطنية، الى جانب التوسع في استخدام قانون الجرائم الالكترونية للنيل من الحريات الإعلامية والصحفية ومن حرية التعبير عن الرأي ولقمع الرأي الآخر، وتصاعد نهج الاعتقال السياسي ومعتقلي الرأي، ومصادرة حقوق المواطنين وحرياتهم الدستورية.
وتنامى دور الدولة العميقة كنتاج للعديد من الاتفاقيات والمعاهدات أبرزها المعاهدة الأمريكية الأردنية التي شكلت انتقاصًا جدياً للسيادة الوطنية، وفتحت المجال للقواعد العسكرية – الأمريكية والغربية على الأراضي الأردنية، وتعزيز العلاقات والاتفاقيات الرسمية مع الكيان الصهيوني والتي اتخذت منحى إقامة المشاريع ذات الطابع الاستراتيجي معه (غاز- مياه)، والارتهان لإرادته، واستراتيجيته، والتحكم باقتصادنا، ومستقبلنا، في ظل تصاعد العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني واستهدافه المقدسات، والتصريحات التي يطلقها قادة اليمين الصهيوني المتطرف ضد الأردن.
إن حالة الاستعصاء السياسي التي تعيشها البلاد والتي ترافقت مع أزمة اقتصادية معيشية خانقة وإقدام الحكومة على رفع أسعار المشتقات النفطية ثماني مرات خلال العام الحالي كان أخرها على أبواب فصل الشتاء وحاجة الناس لوسائل التدفئة، الأمر الذي أدى الى تصاعد حالة الاحتقان الشعبي كانت شرارته الإعلان عن إضراب الشاحنات والمطالبة بتخفيض أسعار المشتقات النفطية والذي بات مطلباً شعبياً عاماً تعاملت معه الحكومة باستخفاف وإدارة الظهر وتجاهل المطالب الشعبية ومحاولات الالتفاف عليها، وتغليب الحل الأمني على السياسي، والمراهنة على الإجراءات الأمنية في احباط المطالب الشعبية.
إن الأحزاب والقوى الوطنية والشعبية المشاركة في اللقاء الوطني وهي تقف بحزم مع المطالب الشعبية بخفض أسعار المحروقات وإلغاء الضريبة المضافة على المشتقات النفطية، ورفض حل أزمة قطاع النقل من خلال رفع أجوره، تحذر من تجاهل تردي الأوضاع المعيشية الناجمة عن تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لإن الاحتجاج السلمي بأشكاله حق مشروع كفله الدستور والقانون والمعاهدات والمواثيق الدولية، والذي يشمل الحق في التظاهر والاحتجاج والتجمع، وواجب السلطة الحاكمة هو تأمين وضمان حق المواطنين في ممارسة هذا الحق. وبناء عليه، فإن التضييق على الأحزاب واعتقال النشطاء وأصحاب الرأي، لن يسهم إلا في تعميق الأزمة، ونعلن رفضنا لكل أشكال التضييق على العمل السياسي، ورفض السياسات الرسمية باعتقال أصحاب الرأي والتعبير السلمي ونطالب بإطلاق سراحهم، ونحَمل السلطة الحاكمة مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع بتجاهلها للمطالب الشعبية.
إن اللقاء الوطني للأحزاب والقوى الوطنية والشعبية يعتبر ان ما شهدته البلاد من تحركات شعبية عامة هو تعبير عن رفضها المطلق للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي أوصلت البلاد الى حافة الهاوية، ويتطلب بلورة إطار وطني يأخذ على عاتقه صياغة برنامج إنقاذ وطني يراعي كافة التحولات السياسية الاجتماعية وما تفرضه من مهمات، من أجل تحقيق ما يلي:
_ في الحالة الوطنية الراهنة تحقيق المطالب الشعبية بخفض أسعار المحروقات وإلغاء الضريبة المضافة على المشتقات النفطية باعتبارها السلعة الارتكازية التي تستند عليها باقي السلع، ووقف التغول الأمني على الحياة العامة، وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي.
_ إصلاحات دستورية تحقق مبدأ “الشعب مصدر السلطات”، باعتباره مبدأ دستورياً يشكل أساس العلاقة بين الشعب والحاكم، تعَمق الطابع الديمقراطي للدستور، وتقترن فيه المسؤولية بالمساءلة، ويُثبِّت مبدأ الفصل بين السُّلطات، ويجعل الولاية العامة كلها للحكومة التي يجب أن تكون منبثقة من مجلسٍ نيابيٍّ منتخب انتخاباً يمثل الإرادة الشعبية.
_ تعديل القوانين الناظمة للحياة العامة والحريات العامة وفي مقدمتها حرية التعبير والصحافة والتنظيم الحزبي والنقابي وحق الاجتماع والتظاهر والاضراب وتمكين الجماهير الشعبية من المشاركة الفعلية في الحياة السياسية والاجتماعية وإلغاء كافة القيود على نشاطها الوطني والسياسي والنقابي، وانهاء ظاهرة التوقيف لأسباب سياسية أو لأسباب تتعلق بحرية التعبير عن الرأي.
_ التأكيد على استقلال القضاء وإلغاء جميع المحاكم الخاصة والاستثنائية بما في ذلك الصلاحيات غير المحدودة للحكام الإداريين بموجب قانون منع الجرائم.
_ انتهاج سياسة اقتصادية وطنية تعتمد على المقدرات الوطنية وتستهدف مكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين، ووقف التبعية والارتهان للمؤسسات المالية الدولية.
_ الغاء المعاهدة الأردنية الامريكية، وإنهاء القواعد العسكرية الأجنبية على الأراضي الأردنية.
_ الغاء معاهدة وادي عربة وكل الاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني، ووقف كل أشكال التطبيع معه.
عمان في 20/12/2022
اللقاء الوطني للأحزاب والقوى الوطنية والشعبية
الموقعون: