أعلنت أذربيجان الثلاثاء 19 أيلول، عن إطلاقها لعملية عسكرية وُصفت بأنها “ضد الإرهاب” في جيب ناغورني كاراباخ، وهي منطقة ذات أغلبية أرمينية، وتقع في قلب صراع طويل ومتجدد بين يريفان وباكو.
-ما هو جيب ناغورني كاراباخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان؟
هو منطقة بأغلبها جبلية تبلغ مساحتها 4400 كيلومترر مربع، ويقطنها حوالي 120 ألف نسمة بأغلبية أرمينية، لديها مؤسساتها وحكومتها الخاصة، وتحظى بدعم سياسي واقتصادي وعسكري من أرمينيا، ويعيش حوالي ثلث السكان في العاصمة ستيباناكيرت.
كانت على مدى عقود، مسرحاً للمواجهة بين أرمينيا وأذربيجان. وبعد حربين سابقتين اندلعتا في هذا الجيب القوقازي -الذي تم الاعتراف به كجزء من أذربيجان – أصبحت المنطقة موضع نزاع مرة أخرى. حيث أطلقت أذربيجان، قبل أسبوعين، عمليات حربية ضد الجيب بعد مقتل أربعة من ضباط الشرطة واثنين من المدنيين الأذريين في انفجار لغم، متهمة الانفصاليين الأرمن بارتكاب عمل “إرهابي”، الأمر الذي نفاه هؤلاء.
منطقة واحدة وتأثيرات عديدة وحروب متعددة
تعتبر “ناغورني كاراباخ” منطقة مركزية في التاريخ الأرمني، وتعني كاراباخ؛ الجبلية أو كاراباخ العليا باللغة الروسية – وقد تغيرت السيطرة عليها عدة مرات على مر القرون، حيث تم دمج هذه المنطقة لأول مرة في المملكة الأرمنية في العصور القديمة، ثم خضعت إلى النفوذ العربي الإسلامي في العصور الوسطى، قبل أن تعيدها “ثورة” إلى حظيرة أرمينيا. وبعد فترة من النفوذ الفارسي، تم دمج المنطقة مؤخرا في الإمبراطورية الروسية عام 1813. منذ عام 1917، بدأت أرمينيا وأذربيجان في النزاع على الأراضي. وعلى الرغم من أن غالبية سكان ناغورني كاراباخ من الأرمن، إلا أنه تم ضمها إلى جمهورية أذربيجان السوفييتية في عام 1921 من قبل ستالين. ومع ذلك، فقد استفادت من وضع الحكم الذاتي منذ عام 1923. وهو الوضع الذي ظل دون تغيير حتى السنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفيتي. أثناء تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، نظمت ناغورني كاراباخ استفتاء عام ـ قاطعته الأقلية الأذريةـ وأعلنت استقلالها عن باكو، بدعم من يريفان. ومع ذلك، لم يتم الاعتراف بهذا الاستقلال من قبل أي دولة عضو في الأمم المتحدة، بما فيها أرمينيا. ومع رحيل الجيش السوفييتي من المنطقة، أدى تصاعد العنف بين العرقيات هناك إلى حرب مفتوحة، قتل فيها أكثر من 30 ألف شخص، قبل أن يتم التفاوض على وقف إطلاق النار من قبل موسكو في 17 أيار 1994.
باكو تتحرك من جديد
إندلع صراع جديد في خريف عام 2020، مما أسفر عن مقتل 6500 شخص في ستة أسابيع، ونص اتفاق وقف إطلاق النار الذي تفاوضت عليه روسيا مرة أخرى، على أن تعيد أرمينيا إلى أذربيجان معظم الأراضي التي احتلتها خلال حرب 1991-1994. وشكل الإتفاق آنذاك هزيمة صريحة ليريفان. وعلى الرغم من وجود قوات التدخل الروسية، في المنطقة، إلا أنه قد وقعت حوادث مسلحة بين القوات الأرمنية والأذرية بشكل متكرر منذ وقف إطلاق النار هذا، حيث ألقي الطرفان المتحاربان اللوم على بعضهما البعض، نفس هذه القوات الأمنية الروسية لم تفعل الكثير أمام تقدم القوات الأذرية في هجومها الأخير، ويرجع مراقبون أسباب ذلك إلى تعقيدات الحرب الحالية في أوكرانيا!! أستأنفت التوترات بين باكو ويريفان في نهاية عام 2022، عندما أقامت أذربيجان نقاط تفتيش ومنعت حركة المرور في ممر لاتشين، وهو الطريق الوحيد الذي يربط “ناغورني كاراباخ” بأرمينيا. وتسبب هذا الحصار الخانق إلى نقص خطير في الغذاء والدواء في الجيب المحاصر.
سبعة أشهر من الحصار الصارم وتآكل أسباب العيش
في تموز الماضي، دعت وزارة الخارجية الأرمينية إلى مضاعفة “الجهود الدولية” لإنهاء الحصار المفروض على ناغورني كاراباخ وإلى إعادة فتح الممر، مؤكدة مجددا مخاوفها من “تطهير عرقي” تحضر له باكو في المنطقة. وعلى الرغم من الوساطات المنفصلة التي قام بها كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، فشلت يريفان وباكو في الاتفاق على توقيع معاهدة سلام، حيث وُصفت جميع هذه الوساطات بالفاترة وغير الجدية.
بعد مرور 32 عامًا على إنشائها، أعلنت الجمهورية المعلنة الإستسلام يوم الخميس الماضي وأكدت على تفكيك نفسها تحت ضغط الهجوم العسكري الأذري السريع، وفرض النظام الأذري سيطرته على مساحة الجيب الموجود على أراضيه، مما يمثل خاتمة لصراع دام لقرون، وإغلاق فصل جديد من تاريخ أرمينيا بشكل مأساوي.
فر معظم السكان الأرمن من الجيب حتى قبل وصول طلائع القوات المهاجمة، ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى أكثر من 100 ألف لاجئ إلتحقوا بأرمينيا وبعض الدول الغربية وفقاً لتقارير أرمنية رسمية، على الرغم من الوعود الشخصية للرئيس الأذري ب”إعادة الإدماج السلمي”، وتخوف السكان من عواقب الأمور.
فصل جديد يُطوى في منطقة تجاذب إستراتيجي دولي ساخن، ولكن إلى متى؟!