بات الحديث عن النظام الرسمي العربي أمرًا دائمًا ومتكررًا بسبب الحال الذي وصل إليه وما يعيشه من هوان وارتهان للأجنبي.
ولكني أعتقد أن تناول النظام العربي ودراسته يستوجب تسليط الضوء على جامعة الدول العربية باعتبارها الكيان المؤسسي للنظام العربي من ناحية وأن ظروف نشأتها عام ١٩٤٥ ودورها منذ ذلك الحين من ناحية أخرى من شأنه وضع أيدينا على مفاتيح أزمة النظام العربي ومآلاته.
نشأت الجامعة كحصيلة لرغبة الدول العربية آنذاك وإرادة الدول الأجنبية.
على الرغم من أن النضالات العربية التي شهدها الوطن العربي كانت في حقيقتها تمثل شكلًا من أشكال البحث عن كيان سياسي موحد للحركة القومية.
لأن هذا النضال اتسم بنوع من الخصوصية حيث كان ينحو نحو الاستقلال من ناحية، والوحدة من ناحية أخرى، ولكن فرض التجزئة على الوطن العربي من قبل القوى الاستعمارية قاد ليس إلى تعطيل الوحدة بل إلى تفريغ عملية الاستقلال من مضمونه الحقيقي بل أصبح ستارًا يخفى حقيقة التبعية للغرب.
الأخطر في كل هذه المعادلة أن الاستعمار عند مغادرته الأقطار العربية ترك السلطة بأيدي كبار الملاكين وفئات الكمبرادور، هذه الشرائح الطبقية لم يكن همها إلا أن تحل محل الأجنبي وتنشئ دوله قطرية تؤمن مصالحها، بحيث تنحصر سرقة الأمه في أبناء الأمه حسب تعبير(فانون) ولم تفكر في تأسيس نظام يكفل الحرية والمساواة ويتصدى للتجزئة.
استمرت هذه النشأة بل تعمقت من خلال تحالفها مع الاستعمار وضد قوى التحرر، أما موقفها من القضية الفلسطينية فقد اكتفت بالدعم اللفظي فيما مارست ضغوطًا على قوى التحرر لدفعها للمساومة لقبول ما يقدمه العدو.
هذه النشأة للأنظمة العربية تركت بصمتها بوضوح شديد على ميثاق الجامعة حيث أصرت الدول العربية المؤسسة للجامعة وبحكم ارتباطها بالقوى الاستعمارية أصرت على أن يتضمن ميثاق الجامعة نصًا يؤكد على وجوب احترام سيادة كل دولة وعدم التدخل في شؤونها، بما يعنيه تقنين لحالة التجزئة والتفتت للوطن العربي الواحد.
التحول الأبرز في الجامعة تمثل في ثورة ١٩٥٢ بقيادة جمال عبد الناصر حيث راح يتشكل تيار قومي داخل الجامعة يؤكد على مفهوم الدولة العربية الواحدة والقضية الفلسطينية ومركزيتها باعتبارها قضية قومية في مواجهة تيار أنظمة الدولة القطرية المرتبطة بالقوى الرأسمالية حفاظًا على مصالحها.
على امتداد تلك الفترة كانت الغلبة للتيار القومي الذي قاد النظام العربي ونجح في فرض خياراته عليه.
زلزال حزيران ١٩٦٧
كانت هزيمة الخامس من حزيران بمثابة ضربه قاصمة للأيدولوجيا القومية، أدت إلى تغيير في موازين القوى العربية فلم نعد مصر في موقع المهيمن في النظام العربي وكان عليها التصالح مع خصومها العرب والقبول بمبدأ الشراكة في إدارة النظام العربي.
نكسة حزيران كانت زلزالًا حقيقيًا هز أركان التيار القومي وعزز نفوذ الدولة القطرية ومهد لصعود الإسلام السياسي، بل وأسس لتحول في مفهوم الأمن القومي من جهة وتحول في مفهوم الصراع مع الكيان الصهيوني من صراع صفري إلى صراع حدود يبحث عن إزالة آثار العدوان، كل هذا التحول في ظل ثبات أهداف العدو وأطماعه الاستعمارية.
هذا التحول في مفهوم الصراع قاد إلى خلق حاله من التوافق داخل النظام العربي عنوانه البحث عن تسوية سياسية مع الكيان الصهيوني.
الزلزال الآخر الذي أصاب النظام العربي تمثل بزيارة السادات لتل أبيب بحثًا عن حل منفرد مع إسرائيل دون أي اعتبار لكل التوافقات العربية، قاد هذا المسار إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام ١٩٧٩، وخلق سابقة في الخروج على الإجماع العربي.
توالت الهزات على النظام العربي، كان احتلال الكويت بمثابة الضربة القاصمة التي أتت على النظام وفاقمت ما بينه من شروخ وعدم ثقة.
اضعفت هذه الزلازل النظام العربي وهمشت الجامعة ودورها، حال الحال وفر المناخ لتبلور كتل واصطفافات أحدثت الكثير من التحول في مفاهيم العمل العربي المشترك، بل تركته مكشوفًا تمامًا للمشاريع الأمريكية والصهيونية.
الأمن القومي والنظام العربي
الحديث عن النظام العربي يتطلب تحديد العلاقة بين مفهوم الأمن والنظام وما أصابه من تحول.
يشكل الأمن أحد أركان اي نظام إقليمي أو عالمي لارتباط ذلك بادراك أعضائه بوجود خطر مشترك الأمر الذي يدفعهم للتعاون الأمني والعسكري فيما بينهم.
شكل الكيان الصهيوني الاستعماري والاستيطاني التهديد الأساس للأمن القومي وللامة وطموحها بالتحرر والنهوض. لقد ترجم هذا العدو هذا التهديد بأربعة حروب شنها ضد الامه العربية والعديد من المؤامرات التي حاكها لتعطيل اي خطوه تقود إلى الوحدة أو التطور العلمي أو الاستقلال الحقيقي..
هذا التصنيف للكيان الصهيوني بقي حتى حرب الخليج الثانية وما تبعها بانعقاد مؤتمر مدريد. في هذا المؤتمر وضعت الأسس للتطبيع مع العدو الصهيوني والانخراط في مفاوضات مباشره لتحقيق ما سمي بالسلام، أفضت هذه المسيرة إلى توقيع العديد من اتفاقيات الصلح مع إسرائيل.
كانت الذروة بتوقيع ما يعرف بالسلام الإبراهيمي والدخول في تحالفات واحلاف مع الكيان الصهيوني.
هذه التحولات السياسية أفضت وبفعل الضغط الأمريكي إلى إحداث تغيير جوهري في مفهوم الأمن القومي والتوجه نحو تهديد وهمي ومفتعل مع دولة نتشارك وأياها الجوار والتاريخ والجغرافيا، واستبدالها بالعدو الذي يشكل التهديد الوجودي لنا المتمثل بالكيان الصهيوني.
هذا التحول في مفهوم الأمن ترك أثره الكبير على النظام العربي وتماسكه.
النظام العربي والعولمة
فردت العولمة جناحيها والنظام العربي مشتت وفي أسوأ حالاته تعصف به الخلافات وتعمقت تبعية انظمته للقوى الأجنبية، لذلك وبدلًا من تشكيل تكتل اقتصادي يواجه به تحديات العولمة ودورها في تهميش وإضعاف الدول، دخلتها الدول العربية فرادى الأمر الذي جعلها فريسة للمؤسسات الدولية ومتطلباتها من البنك الدولي ومنظمه التجارة الحرة والشركات المتعددة الجنسية.
مشاريع الشرق الأوسط الجديد
ضمن هذا المناخ والحال العربي جاء مشروع الشرق الأوسط الكبير والذي طرحه شمعون بيريس طبعًا تكون إسرائيل في وسطه.
لقد تكرر طرح المشاريع وكان مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به كونداليزا رايس أثناء عدوان إسرائيل على لبنان عام ٢٠٠٦، شرق جديد يعاد تقسيمه ورسمه على اسس مذهبية الأمر الذي يضع العرب أمام سايكس وبيكو جديد.
لقد وجدت القوى الغربية ضالتها في الظروف التي ذكرناها آنفًا وحالة الاحتراب الداخلي بسبب ما سمي (الربيع العربي)، للمضي قدمًا في مشاريعها ومخططاتها.
مستقبل النظام العربي
منذ صعود تيار القومية العربية بقيادة جمال عبد الناصر كان النظام العربي محكومًا بتناقض عنيف بين قوى تسعى لبناء نظام الشرق الأوسط، حملت لواءه الولايات المتحدة والدول العربية المتحالفة معها بالإضافة إلى تركيا وإيران الشاة وإسرائيل، وبين التيار القومي الذي ينظر إلى الامه كدولة واحده لها مصالحها المشتركة وأمنها الخاص.
مآ نعيشه الان هو فصل جديد تسعى القوى الامبريالية لحسمه لصالح النظام الشرق الأوسط الجديد..
أمام هذا الحال. ما النظام الذي نريد؟
لقد تبلور حس شعبي أن الإطار المؤسسي الذي يجمع النظام العربي لم يعد يلبي الطموح الشعبي العربي بل بات مدخلًا لتمرير المخططات المعادية.
وباتت الجماهير تواقه لنظام عربي يؤسس لتحقيق الأهداف القومية واعتبار هذا النظام خطوه على طريق تحقيق النهوض القومي.
نظام يضع في حسبانه الانطلاق من البعد التحرري والفكاك من التبعية للأجنبي واعتبار هذه المهمة نقطة ارتكاز للعمل المشترك.
وإذا كان النظام العربي الحالي قد نجح في تغييب القضية الفلسطينية وفي التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني فالمطلوب من النظام العربي الجديد ان يعيد للقضية الفلسطينية مركزتها. نظام عربي لا يكرس القطرية بل يجب أن يجعل من أهدافه الوصول إلى الاتحاد العربي..