المسرح المقاوم

كرمل الخالدي
4 دقيقة وقت القراءة
2025

وُجد المسرح في الأساس ليقاوم، وليقدّم للعالم رسالة عن الإنسان الحُر في تعبيره عن ذاته، وعن قيم الاحترام والمساواة والعدل، والشجاعة في الدفاع ضد أي أحكام عرفية.
ولا يقوم كيان أي مسرحية إلا بوحدة العمل الجماعي، لتنشأ لوحة متحدثة عميقة ذات رسالة نبيلة.

أما من جانب النضال، فللمسرح باع طويل كمسرحٍ مقاوم في قضايا العالم كافة، وفي القضية الفلسطينية تحديدًا منذ بدايات القرن العشرين، وبدايات المسرح الفلسطيني الذي ارتقى أكثر بعد الحرب العالمية الأولى.
نشطت المدارس آنذاك في تقديم المسرحيات الوطنية، لذا لا بد من الوقوف عند بعض التجارب، ومن أهمها تجربة المؤرخ والكاتب الفلسطيني جميل الجوزي ابن مدينة القدس، الذي قدّم مشروعًا وطنيًا هامًا للحفاظ على الجذور الفلسطينية عبر تقديم رسائل من خلال المسرح.

من أكثر التجارب التي شكّلت فارقًا كبيرًا: تجربة الشهيد الأسطورة غسان كنفاني في مسرحية “الباب”، “جسر للأبد”، “القبعة والنبي”…
كلها تناولت الجانب النضالي المقاوم، حيث كرّر وأصرّ على ذكر: الخيمة، النكبة، الاحتلال، حق العودة، وتعمّق في تفاصيل القضية الفلسطينية من جميع الحيثيات والفعل المقاوم.

ولا ننسى المناضل الأسير زكريا الزبيدي، الذي تم تحريره يوم الثلاثين من يناير ضمن صفقة تبادل الأحرار على يد أبطال المقاومة الفلسطينية، وهو أحد مؤسسي مسرح الحرية في مخيم جنين.
ظل يقدم مسرحًا حتى اعتبره الفلسطينيون رمزًا للانتفاضة، وكان خطابه حادّ اللهجة، مقاومًا، والأهم أن تجربته أثّرت نضاليًا فينا إلى يومنا هذا.

وممن قدّموا تجارب مُثرية جدًا: الفنان والمخرج زيد خليل مصطفى، الذي أعاد للمسرح رونقه النضالي في “أعراس آمنة”، “حدث في الجنة”، و”كاريكاتير”. كذلك الفنان غنام غنام في “عائد إلى حيفا”.

كما لا ننسى الفنان والممثل والمخرج المسرحي نزار عويس، الذي حمل اسم المناضل غسان كنفاني في مسرحيته “زمن”، ليطرق “جدار الخزان” معنا، علمًا بأن الفنان نزار عويس طبيب أيضًا، لكنه كرّس جزءًا من حياته لكل رسالة نبيلة حرة: الحب، الوطن، والإنسان.

كانوا آخر من حمل القضية في جعبته، وجاب المدينة مقاومًا، مدافعًا عن فكره، حارسًا لنضالات الشعوب، والشعب الفلسطيني تحديدًا.

أما عن المرحلة التالية، فقد أصبح خطاب المسرح مختلفًا بعد اتفاقية أوسلو المشؤومة، حيث نشأت فرق مسرحية، منها فرقة جورج إبراهيم، الذي مدّ يد العون للعدو مقابل مصالحه الشخصية بمنحه مشاريع في أراضي الداخل الفلسطيني المحتل، وبدعمهم قدّم كل فكرة تخدم العدو، وأصبح يتحدث بألسنتهم، من خلال تقديم خطابات التعايش مع الاحتلال، والتشكيك في جدوى المقاومة، كما في مسرحية “لغم أرضي”.

وفي الوقت الذي كان فيه البعض يقاوم، كان الآخر يؤدي دور الخائن.
على سبيل المثال، عربيًا، تم اغتيال الفنان المناضل عبد القادر علولة على يد جماعة مسلحة بسبب دعمه للحراك الشعبي الجزائري، ونضاله بأفكاره السامية على خشبة المسرح.

ما بعد 2010 حاولت الإمبريالية العالمية ضرب أهم قضية مفصلية، وهي قضية اللجوء، بمحاولة تذويب حق العودة من خلال ما سُمّي بـ “الربيع العربي”، واستثمارهم في المنظمات المشبوهة، التي تموّل المسارح لتقديم خطابات “التعايش” و”التطبيع”، بهدف توجيه المسرح بشكل غير سويّ، وتزوير التاريخ، والتلاعب بعقول الأجيال القادمة.

إذًا، يُعتبَر المسرح إحدى أهم أشكال النضال، كقوة من قوى التغيير الوطني، وكأسلوب في حياة الإنسان الحُر، لأنه يواجه موجة من الحروب، ويستنهض همم الشعوب، ويقاوم أي ارتهان أو تبعية.
وأي فكرة لتحرير الأرض والإنسان، ستظل محارَبة من قبل الدول الإمبريالية والصهيونية، التي تسعى يوميًا للقضاء على أي قوة أو تجمع سكاني يُنتج فعلًا دراميًا حُرًا، وأهمها: تحرير الشعوب.

لذا، المطلوب أن نظل صامدين،
لأن المقاومة جدوى مستمرة بالفعل.



شارك المقال

اكتشاف المزيد من نداء الوطن

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading