تتقاذف القوى السياسية في ليبيا المسؤولية عن إجهاض الانتخابات الرئاسية في البلاد، مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية التي تندد بالتأجيل وتطالب بتحديد موعد جديد للاستحقاق الانتخابي.
وبينما يتهم سياسيون ومحللون مجلس النواب بالمسؤولية عن إفشال العملية، كونه عمد إلى إصدار قوانين “معيبة” لم تحظ بتوافق بين الأطراف السياسية في البلاد، إضافة إلى مفوضية الانتخابات التي “مارست دور المستشار الفني”، يلقى آخرون باللائمة على الأطراف والقوى السياسية كلها، وقالوا إنها خيبت آمال الليبيين بعد أن أوصلت البلاد إلى طريق مسدود.
وعلى وقع التأجيل، طالب مئات المتظاهرين الليبيين في مدينة بنغازي، الجمعة، بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الموعد الذي اقترحته المفوضية العليا للانتخابات في 24 يناير/ كانون الثاني القادم.
وخرجت مظاهرات أخرى في كل من من طبرق ومصراتة وطرابلس في ذكرى عيد استقلال ليبيا الـ70، استنكروا خلالها تأجيل الانتخابات، مطالبين بموعد جديد لتمكينهم من الانتخاب، في حين أعلن أهالي عدد من المدن في بيانات وكلمات أمام وسائل الإعلام، اعتراضهم على تأجيل الاستحقاق الانتخابي، متمسكين بإجراء الاستحقاق في الموعد الجديد الذي اقترحته مفوضية الانتخابات.
ورفع المشاركون في المظاهرة التي دعت إليها مؤسسات مجتمع مدني وعدد من الناشطين، لافتات كتب عليها “الاستحقاق الانتخابي 24 يناير 2022 موعدنا مع الانتخابات الرئاسية من حقي ننتخب”، و”نعم للانتخابات لا للتمديد”، و”نعم للانتخابات لا للتكليفات”.
وكان من المفترض أن تجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية أمس الجمعة، إلا أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات اقترحت الأربعاء، تأجيل الاقتراع الرئاسي المقرر إلى 24 يناير المقبل.
وفي وقت سابق الجمعة، قال عضو المجلس الرئاسي الليبي عبدالله اللافي، في كلمة بمناسبة الذكرى الـ70 لاستقلال ليبيا، إن إعلان المفوضية تأجيل الانتخابات شهرا آخر لصعوبات قانونية هو مفاجأة أثارت مشاعر الغضب والحزن لدى معظم الليبيين.
من جانبه قال عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني، في تغريدة على تويتر: “الليبيون فاتتهم فرصة اختيار من يحكمهم لأول مرة.. نعتذر للشعب ونؤكد أن الأوان لم يفت بعد”.
والأربعاء، شكل مجلس النواب الليبي (البرلمان) لجنة من 10 أعضاء لإعداد مقترح خارطة طريق ما بعد 24 ديسمبر/ كانون أول، الموعد الذي كان مقررا فيه إجراء الانتخابات قبل تأجيلها.
ووفق مراقبين، فإن تحديد 24 يناير لإجراء الانتخابات يعد أمرا صعبا إذ لا يكفي شهر واحد لإقراره من قبل مجلس النواب وإغلاق باب الطعون ونشر القائمة النهائية وبدء الحملات الانتخابية.
وزير التخطيط الليبي السابق، عيسى التويجر قال إن “كلا من البرلمان والمفوضية مسؤول عن فشل تنظيم الانتخابات لأنهما تصرفا بهزلية مفرطة مع هذا الحدث المهم، فالبرلمان أصدر قوانين معيبة بالتنسيق مع المفوضية التي تظاهرت بلعب دور المستشار الفني”.
وأضاف لـ”عربي21″: “أمام هذا الفشل، أقل ما ينبغي عليهما فعله هو الاستقالة والابتعاد عن المشهد، وأعتقد أن المجتمع الدولي اقتنع باستحالة قيام الانتخابات والقبول بنتائجها بهذه الطريقة، وعدم إعلان المفوضية عن عدم إمكانية إجراء الانتخابات هو مظهر آخر من مظاهر الاستهتار بتحمل الأمانة والمسؤولية”.
الباحث الليبي في الشأن الدستوري محمد محفوظ رأى من جانبه أن “الأمر أصبح ككرة نار ملتهبة تتقاذفها المفوضية والبرلمان، لكن على كل حال يظل 24 كانون الأول/ ديسمبر استحقاقا سياسيا وليس تاريخا مقررا قانونا بأن يكون يوما للاقتراع”.
واستدرك قائلا: “وفقا للقانون رقم 1 بشأن الانتخابات الرئاسية والذي ينص على أن تقترح المفوضية موعد الاقتراع وتحيله للبرلمان لكي يصدر فيه قرارا رسميا، وهذا ما لم يتم، لذلك فالمسؤول عن الإعلان هو مفوضية الانتخابات”.
وتابع لـ”عربي21″: “مطالبة بعض أعضاء البرلمان بإقالة السائح لا تعدو كونها تصريحات صحفية لكي يظهر هؤلاء الأعضاء بمنظر الحريص على إجراء الانتخابات وأنهم ليسوا سببا في عرقلتها، بالرغم من أنهم كانوا هم السبب الرئيسي في ما نحن فيه بفعل القوانين والتشريعات الضعيفة والمفصلة على المقاسات”.
الكاتب الصحفي، عبد الله الكبير، قال إن المتحمسين للانتخابات تجاهلوا الخلل الخطير في مسارها منذ بدايته، وغفلوا عن النصح بتدارك القوانين وتصحيح عيوبها، لذلك حلت النتيجة المتوقعة.
ولفت في مقال نشرته “عربي21” إلى أنه “لم يتقدم أي طرف لتحمل المسؤولية وإعلان الفشل، وتحول إعلان التأجيل بشكل رسمي إلى كرة لهب يتقاذفها أعضاء مجلس النواب ومفوضية الانتخابات، كل يطالب الآخر بتحمل المسؤولية”.
وشدد على أن “الحاصل من هذا العبث والهدر المتوقع، هو نجاح المغتصبين للسلطة في إجهاض حلم التغيير بانتخابات تزيح المؤسسات والشخصيات المسيطرة عليها، وتؤسس لمرحلة جديدة تتوحد فيها السلطة التشريعية، وتنهض بالمسؤوليات التي أخفقت الكيانات الحالية في إنجازها”.
وحذر الكبير من أن “كل المؤشرات تنذر باستمرار حالة التأزم، وسيكون ملف تغيير الحكومة هو أهم محاور الصراع في الأيام المقبلة، مع محور آخر لا يقل أهمية وهو مسعى عقيلة صالح وحلفاؤه التحكم في مسار العملية السياسية عبر مجلس النواب، بإحباط محاولات ستيفاني وليامز تفعيل ملتقى الحوار السياسي من جديد”.
بدوره، قال مدير مركز بيان للدراسات، نزار كريكش؛ في حديث متلفز تابعته “عربي21″، إن خيبة الأمل التي تعيشها ليبيا الآن بعد تأجيل الانتخابات خفضت سقف التوقعات وخفضت الثقة في كل السياسيين الموجودين، في ظل تخبط المجتمع الدولي، وعدم طرحه رؤية للحل في ليبيا، إذ إنه قدم “مقاربة الانتخابات دون تفاصيل”.
وتابع قائلا: “كل الأجسام السياسية أوصلتنا الآن إلى طريق مسدود، وهؤلاء عليهم إجراء مراجعات، حتى لا نكرر الأخطاء، ومجلس النواب يجب ألا يكرر الأخطاء بإصدار قوانين جدلية دون توافق”.
عضوة هيئة صياغة الدستور الليبي، نادية عمران، طالبت مجلس النواب بأخذ العبر مما سبق، مشيرة إلى أن “تجاهل الواقع السياسي الموجود في ليبيا، وانتهاج سياسة عدم التوافق التي ينتهجها مجلس النواب، لن يفضيا إلى انتخابات بالمطلق”.
وأضافت في حديث سابق لـ”عربي21″: “وضع خارطة طريق للمرحلة المقبلة تبدأ باحترام نصوص الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، وبمشاركة الأطراف الفاعلة لتحديد الخطوات القادمة التي ترتكز على التوافق على قاعدة دستورية تصدر استنادا عليها قوانين انتخابية، وصولا للانتخابات”، وفق رؤيتها.