ينتاب المواطن الأردني مشاعر مختلطة حول واقعه المعيشي، فمن على قاعدة الأمل بغدِ أفضل، إلى واقع لا يعكس حد أدنى من التفاؤل بأن هذا الغد قد يأتي، لا في المدى المنظور أو حتى المتوسط.
فالظروف الاقتصادية التي يعيشها السواد الأعظم من الأردنيين، لا يمكن أن يؤشر لأي فسحة أمل قادمة بغدٍ أفضل.
فالمواطن الأردني الذي تؤكد معظم التقارير، بأن وضعه المعيشي ينحدر بشكل متسارع نحو الهاوية، فمدخراته تتآكل (هذا إن وجدت أصلا) وراتبه لم يعد يلبي المتطلبات الأساسية والمتمثلة في السكن، التعليم، الصحة، النقل، فواتير المياه والكهرباء، هذا بالإضافة إلى مصاريفه التي ينفقها على طعامه من أجل أن يبقى على قيد الحياة.
إن الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها المواطن الأردني، هي نتاج لسياسات الإفقار الممنهجة التي مارستها الحكومات المتعاقبة والتي أدت إلى هذا الواقع المتردي الذي يعيشه الأردنيون.
إن الحكومات التي أدارت المشهد خلال الفترات الماضية، بنت فلسفتها على إدارة الظهر للواقع الصعب الذي يعيشه المواطن، وأكثر من ذلك عملت على تحميله كلف الفساد والتخريب والتجريب والمغامرة والخصخصة.
لقد عملت هذه الحكومات على تحميل المواطن “ما لا طاقة له به” من خلال إثقال كاهله، وتحميله المسؤولية بارتفاع المديونية، إلى أرقام فلكية، وأن المطلوب منه سدادها، مع أنه لا علاقة للمواطن الأردني بها من قريب أو بعيد، لإنه ليس شريكاً لا في القرار السياسي ولا القرار الاقتصادي.
ومن أجل تلبية رغبات صندوق النقد والبنك الدوليين، عملت هذه الحكومات على تعميق أزمة الأردنيين المعيشية وذلك من خلال إغراقهم في الارتهان والتبعية لهذه المؤسسات، وكذلك بانحياز الحكومات المتعاقبة إلى رأس المال وإلى الشرائح الكمبرادورية والطفيلية في المجتمع على حساب السواد الأعظم من الشعب.
بتقديري إن الحلف الطبقي الحاكم في البلاد، لا يريد أن يعترف بأن هناك أزمة أو بالأحرى جملة من الأزمات، نتيجة هذه السياسات الاقتصادية المتبعة خلال السنوات الماضية، والتي نتج عنها فقر حقيقي تعيشه قطاعات واسعة من شعبنا، وأن هناك يوميا شرائح اجتماعية جديدة تلتحق بركب الفقراء.
وتأكيداً على ما أقول، لم تعلن الحكومات أي أرقام جديدة عن الفقر منذ آخر إحصائية تمت في عام 2017 والتي قدرت فيها، أن نسبة الفقر المطلق 15،7٪ أي ما يعادل 1.069 مليون وتسعة وستون ألف مواطن، مع أن البنك الدولي قد كشف خلال نفس الفترة في أكثر من تقرير عن اتساع رقعة الفقر في الأردن بشكل مضطرد.
وقبل تقرير عام 2017 قدمت حكومة سمير الرفاعي في العام 2010 تقريراً، خلصت من خلاله إلى ربط الفقر بالحصول على دخل لا يقل عن 500 دينار شهرياً للأسرة، وإذا توقفنا أمام هذا الرقم بعد أكثر من عقد من الزمن، سنجد بأن ثلثي الأردنيين فقراء.
كذلك كشفت الحكومة في عام 2017 في دراسة أعدت لحالة الفقر في الأردن، أن خط الفقر للفرد يقدر بمئة “100” دينار شهريا أي ما يعادل 1200 دينار سنويا وأن خط الفقر للأسرة المكونة (8-4) أفراد يبلغ 480 دينار شهريا.
المفارقة أن الحكومات تعتمد في خط الفقر على إنفاق الأسرة وليس على دخلها، مع أن الإنفاق حسب المختصين يختلف عن الدخل، مع العلم أن معدل الإنفاق للأسرة الأردنية يزيد عن دخلها بحوالي 1440 دينار سنويا، مع أن هذا الفرق في الأغلب يأتي نتيجة القروض والحوالات من المغتربين أو من خلال بيع الممتلكات.
ولنثبت بأن هناك عدم وضوح وضبابية وتضارب بالأرقام التي تقدمها الحكومات، وربما يكن ذلك “بشكل مقصود”، أن عدم وجود قراءة تعكس حالة الفقر في البلاد، يجد المراقب نفسه مضطراً للبحث عن مداخل أخرى لمعرفة حجم الفقر في الأردن.
فالبنك الدولي يؤكد عكس ما تقوله السلطات تماما، فهو يتوقع أن يزداد عدد الأردنيين الذين يعيشون على دخل يقدر بدينار وثلاثمائة فلس يوميا هو (يعيش تحت خط الفقر المدقع) وأن العدد لهذه الفئة ارتفع ليصل إلى 27٪ خلال هذا العام عن العام الماضي.
كما توقع البنك الدولي بأن عدد الأشخاص ممن يعيشون على أقل من 2،25 دينارين وربع الدينار يوميا، سيزدادون بنسبة 19٪، فيما سيزيد عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 3.9 دينار يوميا إلى 13،2٪.
إذا تقرير البنك الدولي يشير إلى أن 1.5 مليون ونصف أردني سينزلقون تحت خط الفقر الدولي والذي حُدد 5.5 خمسة آلاف وخمسمائة دولار سنويا.
إذا نحن أمام معضلة حقيقية إذ لم يتم تداركها، فإنها ستكون كارثة على المجتمع والدولة.
وهذا ما لمح إليه وزير التخطيط “ناصر الشريدة” الذي يؤكد على ما نقول، ففي تصريح له في نهاية “آب من هذا العام” قال فيه: أن نسبة الفقر في الأردن بلغت 25٪ وأن عدد المواطنين الأردنيين الذين يتقاضون برامج الاستدامة بلغ 130 ألف عامل، ما يعني بأن هناك 130 ألف عامل مهددين بالاستغناء عن خدماتهم.
وأضاف الوزير أن المستفيدين من صندوق المعونة الوطنية يبلغ 185 ألف أسرة وأن برنامج تكامل استهدف 160 ألف أسرة.
وقال الوزير بأنه لا يعرف عدد المحلات التجارية، التي أغلقت وهذا عنوان آخر، يمكن الحديث حوله لاحقا، لا سيما أن هذا القطاع تم تدميره بشكل كبير جدا خلال العام الماضي، نتيجة التخبط والارتجال والقرارات المستندة إلى قانون الدفاع.
مع العلم أن هذا القطاع يعمل به أكثر من 60 ألف موظف.
إن حكوماتنا تبني سياساتها الاقتصادية وفق فلسلفة “اقتصاد الشعوذة” فهي صباحا ومساء ونتيجة لفشل السياسات الاقتصادية، تضع اللوم فقط على أن الجائحة التي ألقت بظلالها على الاقتصاد الوطني وأضعفته وأن كل الخلل تتحمله الجائحة اللعينة، وعلى المواطن المغلوب على أمره أن يصدق رواية الحكومة.
بالتأكيد أن الجائحة أثرت بشكل سلبي على الاقتصاد، لكن السؤال، هل كان هذا الاقتصاد أصلا معافى؟
فمنذ عشر سنوات على الأقل ونسب البطالة بارتفاع بشكل مستمر، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة وضع حلول لهذه المشكلة التي تشكل “المدخل الأساسي للفقر” رغم أن كل الحكومات أكدت لنا بأن تخفيض نسب الفقر والبطالة على رأس أولوياتها، ومع ذلك نرى بأنه في كل عام تتعمق الأزمة وتزداد نسب البطالة وتتسع رقعة الفقر.
إن إدارة الظهر من قبل أصحاب القرار، لما آلت إليه الأوضاع المعيشية لقطاعات شعبية واسعة، لا يمكن أن يؤشر بأن
الحلف الطبقي الحاكم معنى بمعاناة ملايين الأردنيين.
إن ارتفاع نسب البطالة لأرقام فلكية، حيث وصلت إلى قرابة 25٪في الربع الأول من العام الحالي، وتدني مستوى الأجور إلى مستويات منخفضة قياساً مع ارتفاع تكاليف المعيشة المرتفعة جدا، سيؤدي إلى ارتفاع في معدل العمالة الفقيرة، ولنضرب مثلا على ذلك، إذ إن 64٪ من بالاستغناء متقاعدي الضمان الاجتماعي، يحصلون على تقاعد أقل من 500دينار شهريا، في الوقت الذي تقول فيه الحكومة، أن السجين يكلف خزينة الدولة 780 دينار شهريا.
على حكومة بشر الخصاونة أن تقرأ جيدا، ما ينشر عن مؤسسات داخل الدولة وخارجها وتحديدا في موضوعي الفقر والبطالة وعليها أن تعي ما تقرأ وتحلل انعكاساته.
فكيف لنا ان نحلل أن الأردن شهد في عامي 2019_2020 ارتفاعا ملحوظا في عمالة الأطفال، حيث وصل عدد الأطفال الذين يعملون إلى أكثر من 100 ألف طفل، أعمارهم ما بين 5_17سنة، وهذا ما أردنا من خلاله أن نقول للحكومة أن تقرأ، لأن مثل هذا العدد المرعب من الأطفال الذين يعملون تعكس وضع أسرهم التي لم تعد تقوى على تأمين احتياجاتها وأن هؤلاء الصغار يساهموا ولو بالقليل من تأمين قوت أسرهم من أجل البقاء وهم لا يعملون ترفاً.
الكارثة الأكبر تكمن في أن الشباب الأردني الذي لم يعد يأمل بأن يلبي الحد الأدنى من طموحاته، لاسيما ونحن نقرأ الأرقام الحكومية التي تؤكد أن نسب البطالة في صفوف الشباب وصلت إلى 48٪ مع أرقام صدرت عن جهات غير حكومية تشير أنها تجاوزت في صفوفهم الى 53٪.
إن الفقر والبطالة لهما انعكاسات خطيرة على الدولة والمجتمع، وأن النسب العالية للعاطلين عن العمل وهم بالضرورة في عداد الفقراء، ونربط هذه المسألة في ارتفاع منسوب الجريمة وانتشار ظاهرة المخدرات وتحديدا في التجمعات الفقيرة، والازدياد الكبير في نسب الطلاق خاصة إذا علمنا أن نسبة العاطلين عن العمل في أوساط المتزوجين تصل 28٪ في إحصائيات عام 2018 وتأملوا في الرقم وماذا يعني ذلك.
كما أن هناك معضلة تتمثل في ظاهرة العنوسة بإعداد كبيرة، والعديد من الظواهر الاجتماعية الأخرى التي هي نتاج للفقر، وتخلي الدولة عن التزاماتها تجاه شعبها وتجاوز الحكومات لما نص عليه الدستور في الحق بالعمل والتعليم والصحة…. الخ واعتمادها على سياسة الجباية دون النظر إلى فقراء شعبنا، والعمل على توفير شبكة من الحمايات الاجتماعية، ومغادرة عقلية الانحياز للأغنياء والزبانية السياسية والاقتصادية سيؤدي بالضرورة إلى انفجار اجتماعي لا يمكن معرفة أبعاده.
فالمطلوب الآن هو إعادة النظر في السياسات المدمرة التي اوصلتنا الى ما نحن عليه.