معاناة ضرائب جديدة، ارتفاع في الأسعار، معاناة أكثر وفقر أشد، ما تبشرنا الحكومة به من أننا سنكون أمام برنامج تصحيح اقتصادي جديد في شهر مارس القادم وحالة الفرح والسرور الغامرين التي تنتابها بسبب رضا صندوق النقد، يفرض علينا العودة الى البدايات لعلنا نقرأ سويا جذور المشكلة.
ترتكز فلسفة الليبرالية الجديدة على قاعدة تحرير الاقتصاد والتجارة، وكف يد الدولة عن التدخل في الحركة الاقتصادية وتخليها عن أي دور في الرعاية الاجتماعية.
لقد اسندت الدول الرأسمالية مهمة الإشراف بل فرض تطبيق هذه السياسة إلى مؤسسات البنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمة التجارة العالمية، لقد أسلمت معظم الدول رقبتها لهذه المؤسسات، ورفض البعض الأخر الإنصياع إلى مشيئة تلك المؤسسات، الأمر الذي مكنها من الإفلات من الكوارث الاقتصادية والاجتماعية نتاج طلبات واشتراطات صندوق النقد الدولي.
بدون أية ضوابط اندفعت الحكومات الأردنية المتعاقبة خلال ثلاثة عقود في الإنصياع الكامل لطلبات الصندوق وراحت تلك الحكومات ترفع الدعم عن السلع الأساسية وأمعنت في سياسة الخصخصة وبيع معظم مؤسسات الدولة، فتراجع مستوى الخدمات من تعليم وصحة ومواصلات، وارتفعت الأسعار وزاد الفقر والفقراء، وتفاقمت البطالة، كل ذلك على أمل أن نوقف الحالة الاقتصادية المتدهورة.
لقد حاول صندوق النقد ومن خلال اشتراطاته أنه سينجح في الأخذ بأيدينا نحو تحقيق:
1-سد عجز الموازنة
2- تخفيض متدرج للمديونية
3- زيادة الصادرات
الأن وحكومتنا فرحة وهي تبشر بالبرنامج الجديد، كيف لنا أن نقتنع بجدواه ونحن نرى العجز المستمر في الموازنة، والمديونية في ارتفاع مذهل وصل ٤٠ مليار دينار أي مايعادل ١١٥% من الناتج المحلي والميزان التجاري في عجز لافت للنظر.
دللت الأحداث عبر عقود ثلاث أننا لم نكن أمام حكومات تقود البلاد بقدر ما كنا أمام حكومات تنفذ ما يطلب منها من تلك المؤسسات الدولية دون التفكير ولو لبرهة من الزمن لما قد يترتب على ذلك من انعكاسات قاسية على عموم الشعب.
قد تبرر الحكومة سعيها لبرنامج التصحيح القادم من أجل تسهيل عملية الحصول على قروض جديدة، لكن على الحكومة أن تعرف أن المزيد من المديونية يعني المزيد من الارتهان للأجنبي وللدول الدائنة.
واعتقد أن الحكومة تعي النتائج الوخيمة للاستمرار في الوقوع في براثن المديونية، بعد الحياة وتجاربها والمنطق يقول بعد كل هذا المسار ألم يئن الأوان للتفكير وبعمق بجدوى السير بهذا الدرب؟
ألم يحن الوقت لوقفة مع الذات من أن هذا المسار يعني المزيد من الفقر والبطالة والحرمان؟
أرى أن المسؤولية الوطنية، تقتضي الكف عن خداع الذات والدخول في مراجعة جدية وصادقة لكل مسارات الدولة، حتى ننجح في عبور هذه المرحلة بأمان.