** الزعيم الطلابي السابق يفوز بالجولة الثانية من الانتخابات بنسبة 55.9٪ من الأصوات ، متقدماً على المرشح اليميني المتطرف خوسيه كاست.
** الرئيس المنتخب يعد بمجتمع العدالة والرفاهية. وقد لا يكون ذلك سهلا، لعدم امتلاكه أغلبية كافية في البرلمان.. هل سيعتمد مجددا على الشارع؟
منذ ظهور النتائج أول أمس الأحد، بدأ الآلاف ثم عشرات الآلاف من الناخبين في التجمع وسط العاصمة سانتياغو، يلوحون بالأعلام التشيلية، ورايات الشعوب الأصلية، ومؤسسات المجتمع المدني المساندة، وهتف المحتشدون “الشعب الموحد لن يهزم أبدا”، بانتظار إطلالة رئيسهم الجديد، والذي يعتبر الأصغر سنا في تاريخ تشيلي.
في الدورة الأولى للانتخابات تفوق مرشح اليمين على الرئيس الشاب، ولكن خلال أقل من شهر بقليل، شن غابرييل بوريك وحلفاؤه حملة أكثر هجومية استعدادا للجولة الثانية، وتوجهوا بقوة إلى الأحياء الشعبية، وشرائح الدخل المنخفض، بهدف إقناع الناخبين المستنكفين عن اقتراع الجولة الأولى بالمشاركة في الجولة الثانية، كما أعلنت الحركة النسوية “حالة تأهب” ضد اليمين المتطرف، ورفعت من درجة التحشيد لصالح المرشح اليساري. وضاعفت النخب المثقفة من نشاطها التعبوي في أوساط الجامعات ووسائل التواصل الاجتماعي، وألقت المنظمات الاجتماعية والنقابات العمالية بثقلها صراحةً لمنع انتصار المرشح كاست “وكسر حصن اليمين”.
وفي الأيام الأخيرة تلقى بوريك دعما قويا من الرئيسان السابقان؛ ريكاردو لاغوس وميشيل باتشيليت حيث أوصيا مناصريهم بالتصويت له. وفي المناظرة المتلفزة الأخيرة بين المتنافسين، ظهر بوريك أكثر تماسكا ونزاهة واطلاعا على شؤون البلد الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي حسن من فرصه.
من الواضح بأن الرئيس الجديد قد نجح في حشد الشباب بشكل خاص، والناخبين في المدن الكبرى، والطبقات الوسطى والشعبية، كما أن تصويت النساء إلى جانبه كان حاسما، خاصه أن منافسه اليميني خوسيه أنطونيو كاست كان يحمل مواقف رجعية بحق النساء، وكان قد اقترح قبل الجولة الأولى إلغاء وزارة المرأة، أو تقديم المساعدة الاجتماعية للنساء المتزوجات فقط بدلاً من العازبات.
وهكذا، وفور إعلان النتائج، أطل غابريل بوريك على الحشود الضخمة في شارع ألاميدا الشهير، وهو نفس المكان الذي قاد فيه، مع برلمانيين آخرين من جيله -قبل عشر سنوات- المظاهرات من أجل فرض التعليم المجاني للجميع.
رحب بمؤيديه باللغة الأصلية لشعب مابوتشي من السكان الأصليين، وبدأ خطابة بالتأكيد على أن جيلهم قد دخل الحياة العامة بالمطالبة بالاعتراف بحقوق المواطنين، “والكف عن معاملتنا كبضائع استهلاكية”، وبدأ بتعداد بنود برنامجه للإصلاحات الاجتماعية المتعلقة بالصحة والرواتب التقاعدية والتعليم.. وهي قطاعات كان قد تم خصخصتها كليًا أو جزئيًا في فترة ديكتاتورية الجنرال بينوشيه (1973-1990)، وما رافقها من إصلاحات نيو ليبرالية في البلاد.. وأكد “لا نريد أن يستمر البعض في جعل رواتبنا عملاً تجارياً” في إشارة إلى نظام التقاعد الممول من القطاع الخاص. واختتم حديثه وسط هتافات الجماهير قائلاً: “سندافع عن نظام تقاعد عام ومستقل بعيدا عن القطاع الخاص، وغير ربحي”.
معظم المحتفلين يرجحون بأن هذا التفويض القوي الذي أعطي للرئيس، سيحسن من فرصة في بلورة شكل ملموس للدستور الجديد الذي بدأت صياغته في حزيران هذا العام، والذي من شأنه تكريس حد أعلى من التكافؤ بين التشيليين، على طريق تغيير المعادلات المجتمعية الظالمة، في بلد يحصل فيها 1٪ من السكان الأثرياء على ما يقرب من 30٪ من دخل البلاد الإجمالي. انعكاسات مثل هذه المعادلة شكلت أحد الأسباب التي أدت إلى انتفاضة تشرين أول 2019، ثم انتخاب مجلس تأسيسي هذا العام. ومن المقرر أن يخضع النص الجديد للدستور إلى استفتاء شعبي في العام القادم، وفي حالة نجاحه، سيحل مكان الدستور الحالي الموروث من عهد بنوشيه.
مهام وتحديات كبيرة تنتظر الرئيس الجديد، في بلد لا تزال فيه المطالب الاجتماعية التي أدت إلى انفجار عام 2019 قائمة، ولم يتحقق منه سوى نتائج متواضعة.. وعلى الرغم من بعض النتائج التي تحققت، إلا أن الشعب على استعداد للعودة إلى الشوارع، بنفس الحماس الذي تجمع فيه أمام صناديق الاقتراع.