بناء على دعوة من الولايات المتحدة، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة مفتوحة مساء الإثنين بتوقيت نيويورك، لبحث الأزمة الأوكرانية على ضوء التطورات الكبرى وارتفاع حدة المواجهة، خاصة بعد إعلان روسيا الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك.
وقد تحدث في الجلسة بالإضافة إلى المندوبين الخمسة عشر، وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، التي ألقت إحاطة شاملة حول الأزمة الأوكرانية في بداية الجلسة، ثم تحدث السفير الأوكراني الذي أعطي الكلمة في نهاية الجلسة بعد كلمات جميع المندوبين. وقد ترأس السفير الروسي، فاسيلي نيبنزيا، الجلسة الطارئة، إذ إن رئاسة المجلس الدورية من نصيب الاتحاد الروسي خلال شهر شباط/ فبراير الحالي.
روزماري ديكارلو: الأمم المتحدة ملتزمة بسيادة أوكرانيا واستقلالها
وقد حذرت وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، في إحاطتها من أن الساعات القادمة حاسمة، وأن خطر نشوب صراع كبير أمر حقيقي ويجب منعه بأي ثمن. وقالت إنها تشعر بعميق القلق والحزن وهي تطلع مجلس الأمن على الحالة الخطيرة التي تتكشف في أوكرانيا وما حولها. وأضافت: “إننا نأسف بشدة لهذا القرار الذي قد يكون له تداعيات إقليمية ودولية. كما نأسف لأمر اليوم بنشر القوات الروسية في شرق أوكرانيا، حسبما ورد في مهمة حفظ سلام”.
وقالت ديكارلو إن هذه التطورات تأتي في أعقاب قرار إعطاء الأوامر بإجلاء جماعي للمدنيين من سكان دونيتسك ولوغانسك إلى الاتحاد الروسي. وأشارت إلى أن بعثة المراقبة الخاصة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا سجّلت ما مجموعة 3231 انتهاكا لوقف إطلاق النار في منطقة دونباس في الفترة الواقعة بين 18 إلى 20 شباط/فبراير، و 1073 انتهاكا لوقف إطلاق النار، بما في ذلك 926 انفجارا في منطقة لوغانسك، و2158 انتهاكا لوقف إطلاق النار، بما في ذلك 1100 انفجار في منطقة دونيتسك. وأضافت ديكارلو: “على الرغم من أن الأمم المتحدة ليست في وضع يمكنها من التحقق من الادعاءات التي قدمتها جهات فاعلة مختلفة، يساورنا القلق من تصاعد القصف عبر خط التماس مما أسفر عن سقوط عدد من الضحايا.” وذكّرت المسؤولة الأممية جميع الأطراف المعنية بمسؤولياتهم بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان.
ودعت ديكارلو الأطراف المعنية إلى متابعة الحوار، مشددة على أن التفاوض هو السبيل الوحيد لمعالجة الخلافات القائمة بين الجهات الفاعلة الرئيسية فيما يتعلق بقضايا الأمن الإقليمي، وتسوية النزاع في شرق أوكرانيا وفقا لقرار مجلس الأمن 2202 (2015).
وقالت: “قبل أن تتصاعد الظروف الحالية -الخطيرة أصلا- بشكل أكبر، ندعو جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة إلى تركيز جهودها على الوقف الفوري للأعمال العدائية”. وحثت على حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، وتجنب الأعمال والتصريحات التي قد تؤدي إلى تفاقم الوضع. وقالت: “نحن ملتزمون بشراكتنا طويلة الأمد مع أوكرانيا -العضو المؤسس للأمم المتحدة- فيما تواصل متابعة أجندة الإصلاح الديمقراطي بعد 30 عاما من الاستقلال”.
وجددت وكيلة الأمين العام التزام الأمم المتحدة الكامل بسيادة أوكرانيا واستقلالها ووحدة أراضيها داخل حدود معترف بها دوليا بحسب قرارات الجمعية العامة.
السفيرة الأمريكية: بوتين يخلق الذرائع لغزو أوكرانيا
تناولت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد الكلمة بعد ذلك، فأكدت أن هناك هجوما على سيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية وهو ما يشكل انتهاكا للمبادئ الرئيسية للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة. وقالت إن هذا التحرك من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “يشكل بوضوح أساسا لمساع روسية لخلق ذرائع من أجل غزو أوكرانيا على نحو أكبر”. وحذرت من أن صدى الخطوات الروسية سيتخطى حدود أوكرانيا. وسيكون لها تداعيات على العالم أجمع وليس فقط على أوكرانيا نفسها وأوروبا.
وردت السفيرة الأمريكية على ما وصفته دعاية تضليلية من قبل الرئيس الروسي حول محاولة أوكرانيا الحصول على أسلحة نووية قائلة: “بعد ساعات من إعلان الرئيس بوتين أن قواته ستدخل دونباس، ادعى أن أوكرنيا تسعى لحيازة أسلحة نووية من الغرب وهذا أمر غير صحيح. أوكرانيا واحدة من أربع دول فقط تخلت عن أسلحتها النووية طوعاً. فلا الولايات المتحدة ولا حلفاؤها ينوون تقديم أي أسلحة نووية لأوكرانيا، ولا أوكرانيا ترغب في الحصول عليها”.
وتعرضت السفيرة الأمريكية لما جاء في خطاب الرئيس بوتين حول مطالب مشروعة لروسيا اليوم في جميع الأراضي، من حقبة الإمبراطورية الروسية، قائلة: “نحن نتحدث عن الإمبراطورية الروسية قبل قيام الاتحاد السوفييتي. تلك الأراضي تشمل كلاً من أوكرانيا وفنلندا وبيلاروسيا وجورجيا ومولدوفا وكازاخستان وقيرغزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، وتضم كذلك أجزاء من بولندا وتركيا”. وأضافت أن الرئيس بوتين “يريد أن يعيد العالم إلى الوراء، إلى وقت ما قبل تأسيس الأمم المتحدة، إلى حقبة كانت الإمبراطوريات تحكم العالم. نحن لسنا في العام 1919، إننا في العام 2022. لقد تأسست الأمم المتحدة على مبدأ إنهاء الاستعمار وليس إعادة الاستعمار. ونعتقد أن الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ملتزمة بالمضي قدما وليس العودة في الزمن إلى الوراء”.
وقالت توماس غرينفيلد إن الرئيس بوتين يختبر المنظومة الدولية: “يريد أن يرى إلى أي مدى يمكنه الضغط علينا. إنه يريد أن يثبت أنه من خلال القوة يمكنه أن يستهزئ بالأمم المتحدة. يجب علينا العمل معا لمواجهة هذه الأزمة”. وأضافت: “لقد أوضح الأعضاء الآخرون في هذا المجلس، حتى أولئك الذين غالبًا ما يؤيدون روسيا في مسائل أخرى أنه يجب احترام سيادة واستقلال وسلامة أراضي كل دولة عضو في الأمم المتحدة، بما في ذلك أوكرانيا، وأن هذا هو المعيار الأساسي في العلاقات الدولية، وأنها تجسد الغرض من ميثاق الأمم المتحدة”.
السفير الروسي: أوكرانيا تتحدث مع الجمهوريات المستقلة بلغة المدافع
من جانبه، وصف السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبنزيا، الإحاطات التي ألقيت في مجلس الأمن من بعض السفراء بأنها عاطفية. وقال إن الوقت قد حان للعمل والتركيز على منع نشوب حرب وإجبار أوكرانيا على وقف القصف ضد دونيتسك ولوغانسك. وأضاف: “الاستماع لبعض الكلمات يخلف الانطباع أن اعتراف روسيا بدونيتسك ولوهغنسك جاء بشكل مفاجئ. علينا أن نتذكر أنهما أعلنتا استقلالهما عن أوكرانيا عام 2014 ونحن لم نعترف بهما إلا الآن، على الرغم من الدعم الكبير لذلك داخل روسيا وفي تلك المناطق”.
وقال إن بلاده ناشدت أوكرانيا بالتوقف عن الحديث مع مواطنيها في الشرق بلغة المدافع والقتل والتهديد. وأضاف نيبنزيا: “طلبنا من كييف وبشكل مستمر الاستماع إلى رغبة مواطنيها وأولئك الذين يتحدثون الروسية لاحترام رغبتهم باستخدامها وتعليم أطفالهم بتلك اللغة واحترام ذكرى هؤلاء الذين حرروا البلاد من الفاشيين.” وتحدث عن اتفاقية مينسك، وأكد مجددا أن الاتفاقية لا تذكر روسيا. وأشار إلى الانتخابات الأوكرانية عام 2019 التي أفرزت رئيسا جديدا لكنه لم ينفذ وعوده بالسلام. واتهم الحكومة الأوكرانية بتدمير اتفاقية مينسك، ورفضها كذلك الدخول في حوار مع ممثلين عن دونيتسك ولوغانسك. وقال: “لقد أصبح من الواضح أن أوكرانيا لا تنوي تنفيذ اتفاقية مينسك”. وقال في ختام كلمته إن بلاده ليست طرفا في تلك الاتفاقية، وأن روسيا ما زالت منفتحة على الدبلوماسية ولكنها لن تسمح بإراقة الدماء بدونيتسك ولوغانسك.
أما بقية أعضاء مجلس الأمن الدولي، فقد عبروا عن قلقهم ورفضهم بشكل شبه مطلق الخطوة الروسية وحذروا من تداعياتها على أوروبا والنظام الدولي معتبرين أنها تنتهك ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي. ودعا معظم المندوبين إلى ضرورة العودة للمفاوضات وحل النزاعات بشكل سلمي، وشددوا على سيادة واستقلال أوكرانيا وسلامة أراضيها.
أما كلمة السفير الصيني لدى الأمم المتحدة، زانغ يون، فقد كانت قصيرة جدا، وأبدى فيها تحفظا واضحا على الخطوة الروسية، إذ دعا إلى ضرورة احترام وحدة وسلامة جميع الدول. وقال: “في الوقت الراهن، يجب على جميع الأطراف المعنية ضبط النفس. نشجع ونرحب وبكل الجهود التي تعمل للتوصل لحل دبلوماسي ونطالب جميع الأطراف بمواصلة الحوار والتشاور والبحث عن حلول منطقية تأخذ بعين الاعتبار مخاوف كل طرف على أساس المساواة والاحترام المتبادل.” وأضاف قائلا: “إن الوضع الحالي في أوكرانيا ناتج عن وضع معقد. ونؤمن أنه يجب أن تحل جميع الدول خلافاتها الدولية بطرق سلمية بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة”.