الأردن : التحول من دولة الى شركة خاصة

د.لبيب قمحاوي
5 دقيقة وقت القراءة
الأردن

أصبح الأردن الآن أقرب ما يكون الى شركة خاصة يديرها مدير عام بصلاحيات مطلقة ويشرف على أمورها مجلس إدارة مكون من مجموعة من الدول الأجنبية التي تسعى إلى الحفاظ على مصالحها الخاصة أولًا وأخيرًا.

لا يوجد في الحقيقة أي داعٍ لفلسفة الأمور أو تعقيدها أو التعبير عن الدهشة أو الاستهجان لما يجري الآن في الأردن وللأردن. حقيقة الأمر أن مقدرات الدولة الأردنية لم تعد بيد أبنائها، ولا حتى بيد حكامها. الأردن الآن دولة مستقلة اسمًا ودولة مٌسيَّرة ومحكومة لإرادة الآخرين فعلًا، وقد يكون ذلك بفعل الضغوط المالية والعسكرية والسياسية للدول المانحة. ولكن ما الذي أوصل الأردن الى هذه الحالة من الفقر والعَوَز. الفساد وسوء الإدارة والمحسوبية والتفرد والانفراد بالسلطة هي من جملة الأسباب والمسببات.

الأردن الآن دولة مستقلة بالاسم دون أي محتوى سيادي حقيقي. والتعديلات الدستورية الأخيرة وكذلك قوانين الإصلاح السياسي المرافقة لا قيمة فعلية لها في ظل غياب السيادة والقرار الوطني الأردني المستقل. إن إعطاء مزيدًا من السلطات والصلاحيات لتعيين هذا أو إقالة ذاك بقرار منفرد لن يعني عمليًا تملك القدرة على السيطرة على مسار البلد وسياساته خصوصًا بعد أن وَقَّعَ الأردن ما يكفي من الاتفاقات المريبة مما حَوَّله من دولة مستقلة ذات سيادة الى كيان يشرف على إدارة الأمور الداخلية دون القدرة على السيطرة الفعلية على قراراته السيادية.

القرارات السياسية الأخيرة وما رافقها من تعديلات دستورية تأتي في الحقيقة في سياق ما هو قادم من تغييرات إقليمية تنسجم مع الفكر والنهج الابراهيمي. “إسرائيل” وأمريكا ودول غربية أخرى تسعى إلى أن يسود النهج الابراهيمي سياسيًا ودينيًا وعرقيًا الى أن يصل إلى مداه النهائي في اذابة وتذويب الهوية العربية والإسلامية لدول المنطقة وشعوبها ومنها، إن لم يكن على رأسها، الأردن. وفي هذا السياق من المطلوب أن تُدار الأمور من قبل الحكام مباشرة دون الرجوع الى الشعب أو الى مؤسسات الدولة الدستورية. والاتفاقات المختلفة التي وقعها الأردن مؤخرًا تؤكد هذا المسار حيث لم يكن للحكومة أو مجلس النواب أي دور في صياغتها أو إقرارها ناهيك عن الاطلاع على فحواها أصلًا. فالاتفاقات العسكرية والأمنية حَوَّلَتْ الأردن الى قاعدة عسكرية ضخمة أمور السيادة فيها وعليها لدول أخرى غير الأردن. واتفاقية الغاز أدخلت “إسرائيل” الى كل بيت أردني دون استئذان. واتفاقية الكهرباء مقابل الماء أكملت إعطاء السيادة على الطاقة في الأردن لدول أخرى مثل “إسرائيل”، في حين أصبحت مياه الشعب الأردني مٍنَّةً واحسانا من عدو الأردن الحقيقي “إسرائيل” ورهينة بيده.

وبمناسبة الحديث عن التعديلات الدستورية الأخيرة وما سبقها من تعديلات أخرى يبرز السؤال عن مدى حاجة الأردن الى دستور ما دامت كافة السلطات قد تم وضعها بيد شخص واحد؟ إن التصريحات الأخيرة للسفير الأمريكي في عمان والذي كان سلوكه أقرب ما يكون الى سلوك المندوب السامي في عصور الاستعمار يؤكد أن أمور الأردن وسياساته أصبحت الآن بيد دول أجنبية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. والمندوب السامي الأمريكي تجاوز في سلوكه ذلك منظومة السلوك والأعراف الديبلوماسية التي لا تسمح لسفير أي دولة أجنبية أن يتدخل في الشأن الداخلي أو السيادي للدولة المضيفة.

الادعاء الرسمي الأردني بوجود عملية اصلاح سياسي حقيقة هو ادعاء يفتقر الى الموضوعية بشكل فاضح. تفكير الدولة لا يستطيع أن يخرج عن ثوبه الأمني المليء بالشكوك، وصدر الدولة الأمني لا يتسع للرأي الآخر إلا بمقدار. الحديث الذي يدور مؤخرًا عن الدور السلبي للأصوات الأردنية المعارضة لما يجري ينطلق من فلسفة أن “من ليس معنا (أي مع الدولة) فهو ضدنا”. ان هذا الموقف يعكس العقلية العرفية التي تحكم الآن مسار الأردن والقائمين عليه. فالمعارضة تعكس غيرة الأردنيين على بلدهم ومصالحه الوطنية وليس العكس. وهذه الغيرة تستند الى العديد من السياسات التي ثبت إما خطأها أو خطورتها.

إن إضعاف الدولة الأردنية لا يتم كما يدعي البعض، من قبل المعارضين لسياسات وإجراءات واتفاقات تقوم بها الدولة العميقة في الأردن بعضها واضح والكثير الآخر غامض، وانما يتم تحديدًا خشية من تلك السياسات والاتفاقات والتعديلات الدستورية التي تٌفرغ الدولة من محتواها وتقوم بمقايضة سيادتها مقابل أشياء غير مفهومة أو غير معروفة. الحقيقة المؤلمة هي أن ما تبقى من سلطات خارج إرادة الملك هي سلطات شكلية تهدف فقط الى تسيير الأمور الحياتيه وإدارة شؤون البلد داخليًا. إن رفض ما يجري الآن هو قمة الوطنية الأردنية الإيجابية وليس العكس كون ما يجري يتعارض ورغبة وإرادة ومصلحة الشعب الأردني والدولة الأردنية ذات الإرادة المستقلة.

شارك المقال
  • مفكر ومحلل سياسي
  • رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة اللوازم والخدمات الكيميائية CESSCO، عمان - الأردن.
  • رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة دلتا لخدمات الطاقة، عمان - الأردن.
  • رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة السليم للخدمات الصناعية، بغداد - العراق.
  • رئيس مجلس الإدارة لشركة اللوازم والخدمات الهندسية، دمشق - سوريا.