اكتشاف كبسولة زمنية تعود الى ما قبل 9 آلاف عام في الاردن

رانيا لصوي
12 دقيقة وقت القراءة

في حدث أثري هام سيساهم في كتابة تاريخ الأردن في حُقب ما قبل التاريخ، قال مدير عام دائرة الأثار العامة فادي بلعاوي خلال مؤتمر صحفي أعلن فيه عن اكتشاف أثري مهم في الاردن “كبسولة زمنية أثرية عمرها 9 آلاف عام” وهذا الاكتشاف هو ثمرة بحث استمر أكثر من 9 سنوات بحسب تصريحات رئيس جامعة الحسين بن طلال عاطف الخرابشة.

هذا وقال وزير السياحة والأثار نايف الفايز إن الاردن يمتاز بمواقع أثرية ذات أهمية عالمية مشيراً إلى أن الأردن أمام اكتشاف أثري مهم قائلا” الاردن مهد الحضارات”. 

من جانبهم قال القائمون على الاكتشاف إنه تم اكتشاف أول مصائد حجرية وتتكون من جدران طويلة تتقارب نحو جدران غرف كبيرة وتم اكتشافها للمرة الأولى بداية القرن العشرين.

وأضافوا أن النتائج كشفت عن مخيمات تحتوي على الغرف وتم تسميتها بالثقافة الغسانية وتم اكتشاف أن هدف المصائد هو صيد الغزلان

ولفت القائمون على الاكتشاف أنه تم العثور على قطع صخرية على شكل وجه انسان وتم تسمية القطعة الأولى “غسان” والقطعة الأكبر” أبو غسان”. 

وبالاستفاضة بالبحث عن معلومات أكثر وثق المهندس عمار خماش أن الاكتشاف جاء ضمن المسوحات الأثرية والحفريات التي قام بها فريق من العلماء يشمل البروفسور محمد طراونة من جامعه الحسين بن طلال، ضمن مشروع البادية الجنوبية الشرقية الأثري، وبالتعاون مع المعهد الفرنسي للشرق الأدنى Ifpo ودائرة الاثار العامة في الأردن ووزارة الخارجية الفرنسية وجهات أخرى.

الموقع هو احدى مصائد الحيوانات البرية الواقعة الى الشرق من قاع الجفر. وتتكون هذه المصائد من جدران حجرية غير مرتفعة قد تمتد الى عدة كيلومترات وبشكل “محقان” له فم متسع عادة من الشرق ونهاية ضيقه عادة من جهة الغرب تتجمع فيها الحيوانات الواقعة في المصيدة. وكذلك تتواجد المصائد في مجموعات تشكل حلقات صيد معقده ومتطورة وممتدة لعشرات الكيلومترات لضمان أكبر ناتج صيد ممكن. وهذه المصائد، التي يطلق عليها الآثاريون كلمه kites بسبب تقارب شكلها بالطائرات الورقية، تتواجد بأعداد كبيرة في الأردن في منطقة الأزرق والبادية الشمالية الشرقية وعبر الحدود في جنوب سوريا وشمال السعودية، لكن للأردن الحظ الأوفر منها حيث تتواجد وتتقاطع وبأعداد من العشرات وربما المئات.

لكن الاكتشاف الأخير يعتبر نقطه تحول في فهمنا لهذه المصائد وإعادة النظر اليها بشكل جذري.  الأهمية الكبيرة تأتي من اكتشاف جانب فني وربما ديني/ عقائدي لعملية الصيد قبل ٩ آلاف سنه.

بينما في العادة يتم إعطاء اعمار لهذه المصائد من ٥ ال ٦ آلاف سنه من الان وضمن العصر البرونزي، قام هذا الاكتشاف بإعطاء عمر أقدم بكثير ومن العصر الحجري الحديث Neolithic B period ليفتح الباب على مصراعيه لإعادة دراسة مئات المصائد في طول البادية وعرضها.  وقد تمكن الفنيون من إعطاء تاريخ ضاعف دقته ومصداقيته اتباع أسلوبين مختلفين من تقنيات الاختبار وهم استعمال الكربون المشع radiocarbon (بقياس نصف عمر الإشعاع في المواد العضوية من الموقع)، من جانب، واستعمال التقنية الاحدث وهي OSL Optically Stimulated Luminescence والمتمثلة بتحاليل مخبريه (تبين اخر مره تعرضت لها حبيبات الكوارتز في الرمل الى أشعة الشمس).  وفي حال تقارب أو تقاطع النتائج بين تقنيات مخبرية مختلفة تماماً نحصل على تواريخ موثوقة الى حد بعيد.

هذا اكتشاف بأهمية كبيرة فهو يربط بدايات الاستيطان والعمارة بنشاط صيد منظم وليس بالنشاط الزراعي كما هو سائد.  وهو من الأمثلة النادرة على وجود عدد كبير من المتحجرات ضمن ما يشبه المعبد او المكان المعد لطقوس دينية مرتبطة بعمليه الصيد وربما الذبح تحديداً.

هنالك أمثلة نادرة جداً لتواجد متحجرات في مجموعات اثرية في أماكن أخرى في العالم، وفي معظمها تتكون من قطع حلي وخرز واستعمالات في الدواء وفي تصنيع أدوات صوانيه من أصل أشجار متحجرة. 

لكن الاردن اليوم هو البلد الوحيد بالعالم المتواجد به أكبر وأقدم مجموعة متحجرات جمعت وتم ترتيبها بشكل طقوسي ديني. ويوفر هذا الاكتشاف الأخير فرصه كبيره لاحتمالية تكرار هكذا “مصائد-مسالخ- معابد” في عشرات المواقع المماثلة في البادية الشرقية الأردنية، لنخرج حينها بحضارة خاصه متكاملة ومعتمدة على عملية الصيد بشكل يتطلب تقنيات وتنظيمات اجتماعية ولوجستية معقدة ومتطورة، حضارة تعيد كتابة التاريخ وتملأ الفراغ بين الحضارة النطوفية الاقدم وحضارات العصر البرونزي الاحدث وبالتواز مع حضارة عين غزال التي اعتمدت على الزراعة بدل الصيد.

ولكن من اين جاءت قطع المتحجرات؟  يوجد هذا الموقع ضمن خط من اكتشافات طبقة الصخور من “تكوين الموقر” وهذه الصخور غنية بمستحثات الامونايت البحرية، وهي نوع من حيوان الأخطبوط الذي عاش في مياه بحر التيثس وانقرض قبل ٦٤ مليون سنه في مفصل زمني مهم من التاريخ الجيولوجي، في نهاية الفترة الماستريخية من اعلى العصر الطباشيري الكريتاسي.  ويبدو ان الأشكال المميزة لمتحجرات هذا الحيوان قد اثارت الفضول لدى الإنسان في هذا الموقع قبل ٩ آلاف سنه، حيث انها ربما اعتبرت ذات قوى او قدره او “بركه” ما لعبت دور في طقوس صيد وذبح دينية محددة. وتتواجد أصداف الامونايت على خط سلسلة جبال منخفضه الى شرق وشمال قاع الجفر وغرباً حتى منطقة جرف الدراويش وشمالاً حتى محيط واحة الأزرق. 

اما بخصوص التماثيل فهي ناتج أعجاب من صنعها بشكل حجارة طبيعية من كتل بشكل قريب من رأس الانسان ليتم اضافة ملامح الوجوه باستعمال ربما حجارة صوانيه كأزميل او مطرقة، فقبل ٩ آلاف سنه لم تكن تقنيات التعدين موجودة وبذلك لم يعرف الانسان حينها المعادن والازاميل والشواكيش المعدنية المطلوبة لعملية النحت وتشكيل الحجر.

تماثيل ووجوه عُثر عليها في الاردن
تماثيل ووجوه عُثر عليها في الاردن

وقد عثر الآثاريون في الموقع على كميات كبيرة من عظام الغزال، مما يشير ان عملية الصيد والذبح، وربما تجفيف اللحوم، كانت أقرب إلى مصنع متطور ينتج كميات تجارية تفوق بكثير الاحتياجات الفردية لأعضاء العاملين في هذا “المسلخ المعبد” الكبير. وهنا علينا افتراض ان تجارة مقايضة لحوم الغزال ربما اعتمدت على أسواق مجتمعات إلى الغرب في الجبال الأردنية والاغوار.

كبسولة زمنية

الكبسولة الزمنية هي مخبأ تاريخي للمتاع أو المعلومات، يقصد بها عادة التواصل مع الناس في المستقبل ومساعدة علماء الآثار وعلما الأنثروبولوجيا أو المؤرخين، يتم انشاء كبسولات الزمن أحيانا ودفنها في الاحتفالات مثل وجود معرض عالمي أو وضع حجر الأساس لمبنى أو غيرها من الاحتفالات.

أقدم كبسولة زمنية

تم اكتشاف كبسولة بوسطن الزمنية في ماساتشوستس ستيت هاوس عام 2014، مخفية خلف لوحة لجورج واشنطن، الكبسولة كانت مخبأة في عام 1795 من قبل صموئيل آدامز وبول ريفير، تضمنت الكبسولة بعض الصحف من ذلك الوقت، إلى جانب مجموعة من العملات المعدنية بما في ذلك عملة “شلن شجرة الصنوبر” 1652 النادرة.

عملات معدنية في كبسولة بوسطن
عملات معدنية في كبسولة بوسطن

كبسولات للمستقبل

تم دفن 4 كبسولات زمنية في الفضاء وتم ارفاق الصحيفتان المعدنيتان الرائدتان ومحفوظات المسافرتان الذهبيتان إلى سفينة فضاء للحصول على الفائدة الممكنة في المستقبل البعيد.

وكان مقرر إطلاق كبسولة خامسة في عام 2015م وتم تأخير موعدها ولم يتم تحديد موعد جديد وبعد الانطلاق ستحمل الكبسولة رسائل سكان الأرض موجهة إلى أبناء الأرض نحو عام 52.000م.

طريقة صنع كبسولة زمنية

فكر وقرر بكل ما تريد وضعه أو اكتشافه مع الزمن سواء بعد 10 سنوات أو 100 عام، ضعه في صندوق يتحمل تغيرات الزمن، في مكان مناسب لحفظه وسلامته واتركه لنفسك أو لأحفادك أو لمن تريد في المستقبل.

أغرب الكبسولات الزمنية

كبسولة ستيف جوبز

مضى (ستيف جوبز) مؤسس شركة (آبل) حياته كلها في التركيز على تكنولوجيا المستقبلية. ففي عام 1983، ومضت فكرة تصميم «الآيباد» في عقله، لذلك قام (جوبز) بشراء كبسولة زمنية خلال المؤتمر العالمي للتصميم في كولورادو، ووضع داخل هذه الكبسولة ستة عبوات من البيرة، وألبوماً موسيقياً لفرقة الروك (مودي بلوز)، وفأرة كمبيوتر يبلغ طولها 4 أمتار من أول حاسوب صممته شركة (آبل)، على أمل أن تصبح هذه الفأرة عند فتح الكبسولة قديمة وغريبة.

كان من المفترض فتح الكبسولة في عام 2000 ولكن لم يتم العثور عليها حتى عام 2013 بسبب تغير معالم المنطقة التي دُفنت فيها، أي أنها بقيت مدفونة في الأرض لمدة 30 عاماً، للأسف لم يكن (جوبز) موجوداً عند فتحها، ولكن الخبر السار هو أن فأرته الحاسوبية قد نجت بعد مرور 3 عقود على دفنها.

كبسولة لن تُفتح حتى عام 2957

هناك كبسولة زمنية موجودة أسفل حرم معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في مدينة كامبريدج في ولاية ماساتشوستس والتي ستبقى هناك حتى عام 2957. هذه الكبسولة عبارة عن أنبوب زجاجي عثر عليه بعض العمال أثناء بنائهم لمبنى جديد في الموقع ذاته، وعلى الرغم من أنه لم يُفتح، لكن يمكننا رؤية ما بداخله عبر الزجاج، حيث يحتوي هذا الأنبوب على بعض القطع الأثرية الإلكترونية التي تعود لعام 1957، وبديل تجريبي للترانزستور.

كبسولة زمنية من المفترض أن تُفتح عام 2975 ميلادي
كبسولة زمنية من المفترض أن تُفتح عام 2975 ميلادي

عندما عاد الباحثون إلى السجلات الرسمية للجامعة، وجدوا أن هذا الأنبوب موجود هناك منذ عام 1957، عندما قام رئيس معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (جيمس آر. كيليان جونيور) بدفن هذه الكبسولة كجزء من الاحتفال بافتتاح مختبر جديد للعلوم النووية. مُلئ الأنبوب بغاز الأرجون للحفاظ على محتوياته، كما تم لحم الزجاج بإحكام على أمل أن يبقى هذا الأنبوب مغلقاً لمدة 900 عاماً.

كبسولة شيوعية في بريطانيا

عادةً ما نربط نهضة الحزب الشيوعية في أوروبا بروسيا والاتحاد السوفييتي، ولكن كشفت لنا كبسولة زمنية تم العثور عليها على سطح مجلس البرلمان البريطاني في عام 2019 وجود الكثير من المؤيدين للحركة الشيوعية في فترة الخمسينيات خارج روسيا، ويبدو أن العمال الذين كانوا يعيدون بناء قاعة وستمنستر البرلمانية بعد الحرب العالمية الثانية تعاطفوا مع الشيوعيين وأخفوا المناشير التي تروج للأفكار الشيوعية داخل أنبوب من الرصاص وبقيت هناك حوالي الـ 70 عاماً.

بطاقات عضوية الحزب الشيوعي التي وجدت ضمن الكبسولة الزمنية.
بطاقات عضوية الحزب الشيوعي التي وجدت ضمن الكبسولة الزمنية.

عُثر داخل هذا الأنبوب على نسخة من صحيفة The Daily Worker، ونسخة 2 يناير عام 1950 من صحيفة “روسيا اليوم” التي تحتوي على قصة (ستالين)، كما عُثر على بطاقات عضوية الحزب الشيوعي وتذاكر مباراة لكرة القدم، وكان هناك أيضاً بيانات رواتب وكُتيب عن حقوق العمال، كل هذه الأشياء قد عاصرت أجيالاً من السياسيين البريطانيين داخل مجلس البرلمان البريطاني.

اختلف علماء الأثار والمؤرخين حول فوائد تلك الكبسولات فاعتبر بعضهم أنها تحتوي على خردة قديمة وليست ذو فائدة كبيرة ورسائل غير واضحة ولا تحتوي على معلومات مهمة، وبعضهم يراها أنها متاحف نائمة تحتوي على معلومات مفيدة وتعطي أهمية للأجيال القادمة وأفضلها الكبسولات المؤرشفة والتي تحتوي على فيديوهات وأشرطة مسجلة.

وما بين الرأيين نؤكد ان الكبسولة الزمنية التي تم اكتشافها مؤخرا في الأردن تعد كنز أثري حقيقي سيساهم في كتابة تاريخ حضاري جديد للأردن.

الوسوم
شارك المقال
  • عضو في حزب الوحدة الشعبية
  • ناشطة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية
  • مهتمه في قضايا المرأة
  • رئيسة رابطة المراة الاردنية سابقا
  • مدونه في الشان الفلسطيني والمراة