جدوى المقاومة

د.عصام الخواجا
7 دقيقة وقت القراءة
ec903310 29ed 49e3 9fda e45b7cae32dc

الكيان أهم من بايدن

من سياقات تطور المواقف والتصريحات الصادرة عن نتنياهو وقادة الحرب في الكيان الصهيوني ، ورصد مواقف الادارة الأمريكية بعد زيارة جاك سوليفان ، مستشار الامن القومي الامريكي للمنطقة ، يتضح ان “الدولة العميقة والمراكز المؤثرة في صناعة القرارات الاستراتيجية في الولايات المتحده” ، تُفَضِل التضحية بالمستقبل السياسي لبايدن على التضحية بمستقبل ووجود دولة الكيان الصهيوني “اسرائيل” . بموازاة ذلك ، ورغم الخسائر الباهظة وغير المسبوقة التي يتعرض لها جيش الاحتلال جراء مقاومة غزة الباسلة ، فان نتنياهو وقيادة الحرب الصهيونية يتبنون بشكل واضح خيار استمرار العدوان لأشهر عديدة ، ويروجون لذلك امام جمهورهم بتضخيم ما يسمونه الانجازات الميدانية ، وهي محدودة ومتوقعة في سياق هذه المعركة وطبيعتها ، من قبيل كشف عدد محدود من الأنفاق ومراكز تصنيع وتخزين العتاد لكتائب القسام والمقاومة.

أولويات الإدارة الأمريكية، صهيونية

لم تعد هناك سقوف زمنية واضحة تفرضها الإدارة الأمريكية على “اسرائيل” ، وما أعلن عنه سابقاً بسقف عدة أسابيع تم تعويمه لاحقاً ، ولغة الدعم الامريكي المطلق للكيان الصهيوني تتسيد الخطاب وتصريحات الناطقين باسم الادارة الأمريكية ، أما نتنياهو ، فيسعى لتعزيز جبهة داخلية تتوافق مع وجهة نظره بإدامة الحرب حتى “القضاء على حماس” و “التهجير لافراغ قطاع غزة” ، وفي القلب من هذه الجبهة أهالي الجنود القتلى ، فحجمها وتأثيرها أكبر من تلك التي يمثلها أهالي مَن ما زالو على قيد الحياه وقيد الأسر لدى المقاومة ، إضافة إلى قطاع اليمين المتطرف ويمثله بن غفير وسموتريتش .

نضيف لما سبق ، سياسة الإمعان في المجازر التي تجاوز عددها 1750 مجزرة ، أكثر من 70% من ضحاياها أطفال ونساء ، وما يرافقها من تدمير منهجي للبنية التحتية والخدمية والصحية والإيوائية ، وشح المساعدات الغذائية والطبية ، ووضوح التواطئ الرسمي العربي الذي لم يعد خافياً على أحد ، فهو لا يضغط ولا يُمارس ما يمنع سعي حكومة المجرم نتنياهو لتحقيق هدفها المعلن بالقضاء على المقاومة الفلسطينية ، بعكس الموقف الشعبي العربي الجارف الداعم للمقاومة . كل هذا يؤشر الى أننا أمام مرحلة قادمة قاسية وصعبة وطويلة نسبياً ، تتمثل باستمرار وتصعيد العدوان .

جدوى المقاومة 

لكن بالمقابل ، فإن عوامل الصمود ، من تماسك الحاضنة الشعبية للمقاومة ، وصلابة موقف المقاومة السياسي ، وتطور أدائها العسكري العملياتي العصابي الذي فاق كل الحسابات والتوقعات ، كفيل بتحويل طموحات وأهداف التحالف الصهيوأمريكي وتواطؤ النظام الرسمي العربي إلى سراب يتبدد أمام هذا الإصرار الأسطوري على التمسك بخيار المقاومة ، الذي أحدث تحولاً استراتيجياً ، قلب كل المعادلات والمفاهيم المتداولة حول المقاومة الشعبية بأشكالها المختلفة . 

نقف اليوم أمام نموذج من المقاومة الجريئة والمبدعة ، أعادت الاعتبار لكل ثوابت الصراع وجذوره التي حاول التضليل الصهيواستعماري وأداوته الترويجية والإعلامية تغييبها ومحوها من خلال تكريس وعي تجهيلي مشوه لدى الرأي العام العالمي ، في نفس الوقت الذي قوضت فيه طروحات الاستسلام والتنازل التي شيدت تكتيكها السياسي “الواقعي” على أساس قرارات مجلس الامن ، وحل الدولتين ، والأعتراف بحدود ١٩٦٧ ، كنتجة للحروب العدوانية الاستعمارية الاحتلالية الصهيونية في الأعوام ١٩٤٨ و ١٩٦٧. لاستكمال المشهد ، فإن المقاومة الفلسطينية وعبر ملحمة طوفان الأقصى كرست عملياً مفهوم وحدة الساحات وتكامل أدوار مكونات محور المقاومة ، واشتعال الضفة المحتلة الذي تواجهه قوات الاحتلال بسياسات الاقتحام والتدمير والاعتقالات المجنونة التي يقوم بها الاحتلال لاحتواء جذوة الحالة الثورية المتأججة دون جدوى.

محور المقاومة ، واقع وليس شعار

لأول مرة في تاريخ الصراع مع المشروع الصهيوني تنخرط عدة جبهات عربية من محور المقاومة ، في لبنان واليمن والعراق ، دعماً لجبهة المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة ، بفعل مقاوم ومؤثر ، يُحَيِد ما لا يقل عن نصف القوات النظامية والنخبة الصهيونية ، ويجبرها على الانشغال في مواجهة هذه الجبهات ، ويمنعها من الانخراط في دعم ألويته العسكرية المخصصة لمهاجمة قطاع غزة ، وقد شهدنا بالوقائع عدم وضوح استراتيجية العدوان البري ، وحجم ارتباك وتخبط قيادة الحرب الصهيونية ، والخسائر التي منيت بها قوات الاحتلال المتوغلة في محاور القتال في قطاع غزة ، مأ أجبر العدو على تغيير انتشاره أكثر من مرة وفي أكثر من محور ، وسحب بعض كتائبه لما أصابها من خسائر أخرجها من الخدمة ، وفرض استبدالها بغيرها.

لقد أصبح محور المقاومة حالة فاعلة ، وإن لم يوظف كل ما في جعبته بحكم عدة عوامل ، وفي مقدمتها أن المعركة مع الحلف المعادي الأمريكي – الصهيوني هي معركة استنزاف طويلة ، بفعل فارق القدرات العسكرية والتكنولوجية ، فحسابات المحور وانجازاته تقاس بمراكمة النقاط واستنزاف قدرات العدو الذي بنى استراتيجيته العسكرية والأمنية على الحروب الخاطفة ، وخوض المعارك خارج حدود فلسطين المحتلة ليبقي جبهته الداخلية بعيدة عن انعكاسات المعارك المباشرة وخسائرها في البنى التحتية وديمومة العجلة الاقتصادية والعنصر البشري .

هشاشة مجتمع الاحتلال ومشروعه

هناك أبعاداً كبرى وتحولات عميقة تحفر في بنية المجتمع الصهيوني ، وستظهر مؤشراتها للعلن في مرحلة ما بعد توقف العدوان على غزة ، تتمثل بتفجر الصراعات الداخلية متعددة الأبعاد ، وتحول في الأولويات الحياتية لقطاع مهم من هذا المجتمع الفسيفسائي المصطنع ، فاليوم يصبح أكثر وضوحاً ما نطق به “يوسي بيلين” قبل أكثر من عقد ونصف ، أن “إسرائيل” هي المكان الأقل أمناً لليهود في العالم في ذلك الحين ، ما دفع عشرات الآلاف قبل طوفان الأقصى ومئات الآلاف بعده للهجرة العكسية ، وسيدفع بأعداد أكبر للهجرة بعد توقف العدوان لأسباب مركبة ، في مقدمتها غياب الشعور بالآمان وليس آخرها الأزمة الاقتصادية التي خلقتها وستعززها كُلَف الحرب والعدوان على غزة .

في مطالعة للباحث في الثقافة والأدب العبري “الطيب غنايم” سبقت طوفان الأقصى يقول فيها “أن الصهيونية عموماً ومؤسسات دولة إسرائيل توجد في أزمات جادة لا يستهان بها وبثقلها” ، “التيارات اليهودية المختلفة التي تقف متناحرة داخل دولة إسرائيل يشل عملها وأدائها” ، و “إسرائيل توجد في أخطر تصدعات بنيوية داخلية ، إذ باتت منشقة اليوم ، بين يهود شرقيين ويهود اشكناز (قادمون من دول أوروبا الغربية) ، وبين متدينين (حريديم) وعلمانيين” ، فما بالنا بعد طوفان الأقصى وملحمة غزة التي ستعمق وتشعب الأزمات والانقسامات التي كانت قائمة قبل ذلك .

سننتصر بالمقاومة

لقد دخل خيار المقاومة وثقافتها ومحورها مرحلة جديدة ، تتطلب البناء على ما تحقق ، والاستعداد بتفاؤل ووعي  ومثابرة لمواجهة استحقاقات المرحلة القادمة .

شارك المقال
الدكتور عصام الخواجا نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني

اكتشاف المزيد من نداء الوطن

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading