لم يألُ الاستعمار الصهيوني جهدًا منذ أن وطأت قدمه أرض فلسطين عام 1948 في محاولات إيجاد حلٍّ للمعضلة الرئيسية التي تواجهه المُتمثّلة بالشعب الفلسطيني، فبعد أن وضع الاستعمار يده على الأرض الفلسطينية كان لزامًا عليه أن يبتكر حلًا ما ليتعامل مع أهلها، أو بالأحرى؛ مع مَن تبقّى من الفلسطينيين بعد قتل واقتلاع وتهجير مدن وقرى فلسطينية كاملة. وهنا، كانت الإدارة الصهيونية أمام خيارين بوجهٍ واحد: إما دمج الفلسطينيين الباقين في أراضي عام 48 المحتلة مع المستعمرين في “مجتمعات مختلطة”، أو عزلهم عن باقي الشعب الفلسطيني في المناطق الفلسطينية المحتلة الأخرى، خشية انفجار القنبلة الديموغرافية الفلسطينية في وجهها.
الفلسطينيون من جهتهم، أثبتوا، ويُثبتون يوميًا، أنهم عصيّون على الاقتلاع، راسخون مُتجذّرون في أرضهم، يسقونها دمهم تارةً ويقفون في وجه السياسات الاستعمارية تارةً أخرى؛ فبين مشروع “تطوير الجليل” الذي هو في جوهره مشروع تهويدٍ للجليل، والذي تصدى له الفلسطينيون وكان شرارة مناسبة يوم الأرض الفلسطيني، الذي يُحييها الفلسطينيون في الـ30 من آذار كل عام، وبين مشروع “تشجير أراضي النقب”، الذي هو في جوهره أداةً للتهجير وجرف قرىً فلسطينية بدوية كاملة بذريعة تشجيرها، كانت الحكاية؛ حكاية المواجهة الفلسطينية التي عنوانها الأرض.
يوم الأرض الفلسطيني.. يومًا للمواجهة
وفي هذه المناسبة، يرى الدكتور سعيد ذياب، الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، أن مناسبة يوم الأرض الفلسطيني هي “مناسبة للتأكيد على أن الأرض كانت منذ بدء المشروع الصهيوني أساس الصراع وجوهره، لذلك كان تحرّك الفلاحين الفلسطينيين هو الأبرز دفاعًا عن أرضهم ومصدر رزقهم”، ويضيف الدكتور سعيد قائلًا: “تحول يوم الأرض إلى مناسبة وطنية يُحييها الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وكل أحرار العالم؛ وتحول إلى عنصر استنهاض للنضال الوطني الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني”.
من جانبها ترى الدكتورة نادية سعدالدين، مديرة تحرير الشؤون الفلسطينية في جريدة “الغد” الأردنية، إن “الاحتلال أخفق في عزل الفلسطينيين بفلسطين المحتلة عام 1948 عن بقية الشعب الفلسطيني في أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، مثلما فشل في كيّ الوعيّ الفلسطيني وطمّس هويته الوطنية والتغلب على إرادته النضاليّة الحيّة، بالرغم من المحاولات الإسرائيلية المتواترة التي كانت تصطدم، في كل مرّة، بثبات الشعب الفلسطيني وصموده وتمسكه بأرضه ووطنه وبحقوقه الوطنية المشروعة في التحرير وتقرير المصير وحق العودة”.
وتستدرك قائلةً: “فالفلسطينيون في عموم فلسطين المحتلة يتقاطرّون سنويًا، أسوّة بالعام الحالي، لإحياء ذكرى “يوم الأرض”، عبر المسيرات والتظاهرات والفعاليات الشعبيّة الزخمّة، لتأكيد صمودهم في وجه الاحتلال، وتمسكهم بأرضهم وهويتهم ووطنهم، في حين يأتي إحياء الذكرى السادسة والأربعين “ليوم الأرض” هذا العام في ظل تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال ومستوطنيه، بوصفها خيار الشعب الفلسطيني في التصدي للاحتلال ولسياسته العدوانية”.
كان هذا العام مختلفًا بالنسبة للصراع العربي-الصهيوني إذ انجرفت عدة دول عربية في سيل التطبيع مع العدو الصهيوني، وتتوّج هذا اللهاث التطبيعي بسقوط غير مسبوق تمثّل باجتماع 4 وزراء خارجية عرب، وزراء خارجية الإمارات والبحرين ومصر والمغرب، مع وزير الخارجية الصهيوني، وبحضور وزير الخارجية الأميركي، في ما عُرف باسم “قمة النقب”. كان الفلسطينيون بعيدين عن طاولة اللقاء، ولكنهم لم يكونوا بعيدين عن أرضهم، ففي الوقت الذي كان وزراء الخارجية الستة مجتمعين، جاء الرد الفلسطيني المقاوم بعمليّتين نوعيّتين في قلب الأرض المحتلة عام 48 في غضون يومين، وذلك بعد أقل من أسبوع على عملية نوعية في النقب المحتل.
وفي هذا السياق، يُعلّق ذياب قائًلا: “إن ما نشاهده اليوم والعملية البطولية فى “تل أبيب” التي نفّذها ضياء حمارشة، ابن يعبد الباسلة، ليس إلا احتفالًا بيوم الأرض ولكن على طريقة ضياء. لقد شكل يوم الأرض عامل صداع كبير للعدو، وعلينا ملاحظة أن الحراك السياسي، وعلى أكثر من مستوى وأكثر من مكان، ليس إلا تعبيرًا عن حجم القلق من يوم الأرض، وشهر رمضان كعنصر تفجير للأرض المحتلة على طريق الانتفاضة الشاملة”، ويتابع قائلًا: “سيبقى يوم الأرض مناسبة لتأكيد العهد والقسم باستمرار النضال حتى تحرير الأرض كامل الأرض”.
أما الدكتورة سعدالدين، فتقول: “يأتي في هذا السياق عملية “بني براك” التي أسفرت عن مقتل 5 صهاينة وإصابة 6 آخرين في عملية إطلاق نار نفذها الشاب الفلسطيني ضياء حمارشة من جنين، والذي استشهد بعد تنفيذه لعملية تعتبر الثالثة خلال أسبوع، أسفرت عن مقتل 11 صهيونيًا، وذلك بعد يومين من عملية إطلاق نار، أسفرت عن مقتل شرطيَين صهيونيَّين في مدينة الخضيرة، وعملية طعن ودهس في الأسبوع الماضي في بئر السبع أسفرت عن مقتل أربعة صهاينة، بينما شهد شهر آذار (مارس) الجاري، تنفيذ أكثر من 10 عمليات أصيب فيها عشرات الصهاينة بجروح مختلفة”.
النقب المحتل: بيضة القبّان في ميزان الديموغرافيا بالنسبة للعدو
انطلاقًا من فهم الطبيعة الاستعمارية الإحلالية للعدو الصهيوني نفهم أن الصراع مع هذا المستعمر صراعًا وجوديًا، الأمر الذي يُدركه العدو جيّدًا ويعمل بناءً عليه من إجل إلغاء الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية، وعليه، يقول الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية: “ارتكزت سياسة الكيان الصهيوني منذ البداية على مصادرة الأرض وتهجير السكان؛ لقد سار العدو على سياسة التطهير العرقي وعمل وفقها دومًا، ولعل ما نشاهده فى بئر السبع والقدس والشيخ جراح وبيتا من تهويد للأرض والتضييق على السكان، وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين الصورة الأوضح لطبيعة المشروع الصهيوني”.
ويتابع ذياب قائلًا: “معركة الشعب الفلسطيني معركه وجودية لا تقبل أنصاف الحلول، فهذا العدو وكما دللت الوقائع لا يريد سلامًا وكل ما يعرفه الصهاينة ليس إلا مصادرة الأرض”، مشددًا أن “كل محاولات السلام والمفاوضات فشلت، الأمر الذي يجعل من المقاومة دربًا لا بديل عنه”.
بدورها تتحدث مديرة تحرير الشؤون الفلسطينية في جريدة “الغد” الأردنية، عن السياسات الصهيونية في النقب المحتل على وجه الخصوص، قائلةً: “يسعى الكيان الصهيوني إلى استلاب الأرض والتاريخ الفلسطيني معًا؛ بقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة والسيطرة عليها، أسوة بسياسة الاحتلال في النقب المحتّل، الذي يهدف إلى تهويده و”إغراقه” بالمستوطنين بعدما فشل في اقتلاع أهله بالكامل عام 1948، إذ بقي منهم قرابة 10 آلاف باتوا اليوم حوالي 500 ألف نسمة، وبعدما أخفق في سلخهم عن محيطهم وواقعهم العربي الفلسطيني، حيث يقارعون الاحتلال بالمقاومة والثبات والصمود في وطنهم وأرضهم”.
وتتابع، “إذا كان الفلسطينيون في فلسطين المحتلة عام 1948، يشكلون بالنسبة للمشروع الاستيطاني الصهيوني “خطرًا ديمغرافيًا” وازنًا، فإن النقب المحتّل يعدّ هدفًا استراتيجيًا حيويًا في منظور الاحتلال، الذي يسعى إلى قلب المعادلة الديمغرافية لصالح المستوطنين مقابل تخفيض عدد الفلسطينيين العرب، من خلال تنفيذ هجمة استيطانية ضخمّة لإقامة المستوطنات على أنقاض القرى العربية المهُجرّة قسّرًا أو المهددّة بالطرد، وتحت شعار “تشجير الصحراء” تارة، أسوة بما حدث مؤخرًا، والذي تتخذه سلطات الاحتلال ستارًا لتهجير الفلسطينيين وتجريف أراضيهم وطمس هويتهم”.
وتختم سعدالدين قائلةً: “إن الحرب المعلنة على النقب التي يقودها رئيس الحكومة الصهيونية، اليميني المتطرف “نفتالي بينيت”، تستهدف تصعيد الاستيطان واستلاب أراضي الفلسطينيين وتغيير معالمها تمهيدًا لمحاولات تهويدها. وبالرغم من أن غالبية الفلسطينيين في النقب المحتل يعيشون في قرى وبلدات عربية غير معترف بها، وتفتقر لمقومات البنية التحتية والحياة الإنسانية، فيما سعى الاحتلال مرارًا إلى نقلهم لمناطق أخرى، لكن الأهالي يرفضون التنازل عن حقهم ويصرون على التمسك ببلداتهم وقراهم وعدم مغادرتها”.